الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
وَإِذَا اخْتَلَطَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِهَا أَيْ: أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَا تَأْثِيرَ لِخُلْطَةِ كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا وَمُكَاتَبٍ وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ (فِي نِصَابٍ) فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةٍ فِي نَحْوِ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ شَاةً (مَاشِيَةً) فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةٍ فِي غَيْرِهَا لِمَا يَأْتِي (لَهُمْ) فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةِ مَغْصُوبٍ (جَمِيعَ الْحَوْلِ) فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةٍ فِي بَعْضِهِ وَلَوْ أَكْثَرَهُ (خُلْطَةَ أَعْيَانٍ بِكَوْنِهِ) أَيْ النِّصَابِ (مَشَاعًا) بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ أَوْ الْخُلَطَاءِ بِأَنْ مَلَكُوهُ بِنَحْوِ إرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ وَاسْتَمَرَّ بِلَا قِسْمَةٍ مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا (أَوْ) خُلْطَةَ (أَوْصَافٍ بِأَنْ تَمَيَّزَ مَا) أَيْ: الَّذِي (لِكُلٍّ) مِنْ الْخَلِيطَيْنِ أَوْ الْخُلَطَاءِ، كَأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا شَاةٌ وَلِآخَرَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ أَوْ لِأَرْبَعِينَ إنْسَانًا أَرْبَعُونَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِرَعْيِ أَرْبَعِينَ شَاةً بِشَاةٍ مِنْهَا مُتَمَيِّزَةٍ وَلَمْ يُفْرِدْهَا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَإِنْ كَانَ لِثَلَاثَةٍ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً، لِكُلٍّ أَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِمْ شَاةٌ (وَاشْتَرَكَا فِي مُرَاحٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ الْمَبِيتُ وَالْمَأْوَى) لِلْمَاشِيَةِ. (وَ) فِي (مَسْرَحٍ وَهُوَ مَا تَجْتَمِعُ السَّائِمَةُ فِيهِ لِتَذْهَبَ إلَى الْمَرْعَى وَمَحْلَبِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَهُوَ مَوْضِعُ الْحَلْبِ) بِأَنْ تُحْلَبَ كُلُّهَا بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ (وَفِي فَحْلٍ بِأَنْ لَا يَخْتَصَّ بِطَرْقِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ) الْمَخْلُوطَيْنِ إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ فَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُمَا (وَ) فِي (مَرْعًى وَهُوَ مَوْضِعُ الرَّعْيِ وَوَقْتُهُ، فَكَوَاحِدٍ) جَوَابُ " إذَا " فِي الزَّكَاةِ إيجَابًا وَإِسْقَاطًا لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ {لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ} وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَا يُجْزِئُ التَّرَاجُعُ إلَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ وَقَوْلُهُ " لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ " إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْمَالُ لِجَمَاعَةٍ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَضُمُّ مَالَهُ إلَى بَعْضٍ وَإِنْ كَانَ فِي أَمَاكِنَ، وَلِأَنَّ لِلْخُلْطَةِ تَأْثِيرًا فِي تَخْفِيفِ الْمُؤْنَةِ فَجَازَ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي الزَّكَاةِ كَالسَّوْمِ (وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْخُلْطَةِ) بِنَوْعَيْهَا كَنِيَّةِ السَّوْمِ وَالسَّقْيِ بِكُلْفَةٍ، فَتُؤَثِّرُ خُلْطَةٌ وَقَعَتْ اتِّفَاقًا أَوْ بِفِعْلِ رَاعٍ (وَلَا اتِّحَادُ مَشْرَبٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ. أَيْ: مَكَانِ الشُّرْبِ (وَ) لَا اتِّحَادُ (رَاعٍ) وَاعْتَبَرَهُ فِيهِمَا فِي الْإِقْنَاعِ، وَلَا خَلْطُ لَبَنٍ. (وَإِنْ بَطَلَتْ) خُلْطَةٌ (بِفَوَاتِ أَهْلِيَّةِ خَلِيطٍ) كَكَوْنِهِ كَافِرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَدِينًا مُسْتَغْرِقًا دَيْنُهُ مَالَهُ (ضَمَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ مَالَهُ) الْخَاصَّ بِهِ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ (زَكَاةً إنْ بَلَغَ نِصَابًا) وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ هَذِهِ الْخُلْطَةِ كَعَدَمِهَا (وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ لِخَلِيطَيْنِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ بَعْضَ الْحَوْلِ بِأَنْ مَلَكَا نِصَابًا مَعًا) بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَتَمَّ الْحَوْلُ بِلَا قِسْمَةٍ (زَكَّيَاهُ زَكَاةَ خُلْطَةٍ) لِوُجُودِ شُرُوطِ الْخُلْطَةِ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ إلَى الْوُجُوبِ. (وَإِنْ ثَبَتَ) حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَلَوْ قَلَّ (لَهُمَا) أَيْ: الْخَلِيطَيْنِ (بِأَنْ خَلَطَا فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: الْحَوْلِ (ثَمَانِينَ شَاةً) لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ (زَكَّيَا) لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ (كَمُنْفَرِدَيْنِ) كُلُّ وَاحِدٍ شَاةً لِوُجُودِ خُلْطَةٍ وَانْفِرَادٍ فِي الْحَوْلِ، فَقَدَّمَ الِانْفِرَادَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ (وَفِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةُ خُلْطَةٍ) إنْ اسْتَمَرَّتْ؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِهِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهَا (فَإِنْ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا فَعَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ شَاةٌ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِ (عِنْدَ تَمَامِ) حَوْلِ (هِمَا) لِاتِّفَاقِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ: حَوْلَاهُمَا (فَعَلَى كُلٍّ) مِنْهُمَا (نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ) لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحَوْلِ لَا يَمْنَعُ حَقِيقَةَ الْخُلْطَةِ وَلَا يَرْفَعُ الْمَقْصُودَ مِنْهَا فِيمَا عَدَا الْحَوْلَ الْأَوَّلَ، فَلَا مَعْنَى لِامْتِنَاعِ حُكْمِهَا فِيهِ (إلَّا إنْ أَخْرَجَهَا) أَيْ: الزَّكَاةَ (الْأَوَّلُ) أَيْ: الَّذِي تَمَّ حَوْلُهُ أَوَّلًا (مِنْ الْمَالِ) الْمُخْتَلَطِ وَهُوَ الثَّمَانُونَ (فَيَلْزَمُ الثَّانِيَ ثَمَانُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ الشَّاةِ) لِأَنَّ حَوْلَهُ قَدْ تَمَّ عَلَى تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ شَاةً وَنِصْفِ شَاةٍ، فَتُبْسَطُ أَنْصَافًا فَتَكُنْ مِائَةً وَتِسْعَةً وَخَمْسِينَ فِيهَا شَاةٌ عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهَا وَهُوَ أَرْبَعُونَ شَاةً مَبْسُوطَةً أَنْصَافًا، وَالْبَاقِي زَكَاةُ مَالِكِهِ أَوَّلًا (ثُمَّ كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ) أَيْ الْمَالِ الْمُخْتَلِطِ. (وَإِنْ ثَبَتَ) حُكْمُ الِانْفِرَادِ (لِأَحَدِهِمَا) أَيْ: الْخَلِيطَيْنِ (وَحْدَهُ) أَيْ: دُونَ خَلِيطِهِ (بِأَنْ مَلَكَا نِصَابَيْنِ) ثَمَانِينَ شَاةً كُلُّ وَاحِدٍ أَرْبَعِينَ (فَخَلَطَاهُمَا) أَيْ: النِّصَابَيْنِ (ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا نَصِيبَهُ) مِنْهُمَا وَهُوَ أَرْبَعُونَ شَاةً (أَجْنَبِيًّا) أَيْ: غَيْرَ خَلِيطَةٍ (فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ مَنْ لَمْ يَبِعْ لَزِمَهُ زَكَاةُ انْفِرَادٍ: شَاةٌ) لِانْفِرَادِهِ عَنْ خَلِيطِهِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ (فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُشْتَرِي) وَاسْتَدَامَا الْخُلْطَةَ (لَزِمَهُ زَكَاةُ خُلْطَةِ نِصْفِ شَاةٍ) لِأَنَّهُ خَلِيطٌ فِي جَمِيع الْحَوْلِ (إلَّا إنْ أَخْرَجَ) الْخَلِيطُ (الْأَوَّلُ) الَّذِي لَمْ يَبِعْ (الشَّاةَ) الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ (مِنْ الْمَالِ) أَيْ الثَّمَانِينَ شَاةً (فَيَلْزَمُ الثَّانِيَ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ) لِأَنَّ حَوْلَهُ إذَا تَمَّ عَلَى تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ شَاةً عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْهَا. وَهُوَ أَرْبَعُونَ وَالْبَاقِي أَخْرَجَ شَرِيكُهُ زَكَاتَهُ. (ثُمَّ كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْخَلِيطَيْنِ (لَزِمَهُ مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ) أَيْ: الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي مَالِ الْخُلْطَةِ (كُلِّهِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ) أَيْ: مَالِ الْخُلْطَةِ (وَيَثْبُتُ أَيْضًا حُكْمُ الِانْفِرَادِ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ: الْخَلِيطَيْنِ (يَخْلِطُ مَنْ لَهُ دُونَ نِصَابٍ) كَثَلَاثِينَ شَاةً (بِنِصَابٍ لِآخَرَ بَعْضَ الْحَوْلِ) فَمَالِكُ النِّصَابِ عَلَيْهِ شَاةٌ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَرَبُّ الثَّلَاثِينَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ شَاةٍ إذَا تَمَّ حَوْلُ الْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الِانْفِرَادِ، إذْ لَا يَنْعَقِدُ لَهُ حَوْلٌ قَبْلَ الْخُلْطَةِ لِنَقْصِ نِصَابِهِ (وَمِنْ بَيْنِهِمَا ثَمَانُونَ شَاةً خُلْطَةً) لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ (فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) كُلَّهُ بِنَصِيبِ الْآخَرِ، أَوْ بَاعَ (دُونَهُ) أَيْ: بَعْضَهُ (بِنَصِيبِ الْآخَرِ) كُلِّهِ (أَوْ دُونَهُ وَاسْتَدَامَا الْخُلْطَةَ لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُمَا) وَلَا خُلْطَتُهُمَا لِمَا مَرَّ أَنَّ إبْدَالَ النِّصَابِ بِجِنْسِهِ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ فَلَا تَنْقَطِعُ الْخُلْطَةُ (وَعَلَيْهِمَا) إذَا حَالَ الْحَوْلُ (زَكَاةُ الْخُلْطَةِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَفْرَدَاهَا، ثُمَّ تَبَايَعَاهَا، ثُمَّ اخْتَلَطَا، أَوْ كَانَ مَالُ كُلٍّ مُنْفَرِدًا فَاخْتَلَطَا وَتَبَايَعَا فَعَلَيْهِمَا لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةُ انْفِرَادٍ، تَغْلِيبًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا دُونَ حَوْلٍ، ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ) أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (مَشَاعًا) غَيْرَ فَارٍّ (أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بَعْضِهِ) أَيْ: النِّصَابِ (وَبَاعَهُ) أَيْ الْبَعْضَ الْمُعَلَّمَ عَلَيْهِ (مُخْتَلِطًا أَوْ) بَاعَهُ (مُنْفَرِدًا ثُمَّ اخْتَلَطَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ) بِالْبَيْعِ فِي الْمَبِيعِ وَمَا لَمْ يَبِعْهُ لِنَقْصِهِ (وَمَنْ مَلَكَ نِصَابَيْنِ) كَثَمَانِينَ مِنْ غَنَمٍ (ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا) أَيْ: النِّصَابَيْنِ (مَشَاعًا) بِأَنْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَانِينَ (قَبْلَ الْحَوْلِ ثَبَتَ لَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (حُكْمُ الِانْفِرَادِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا قَبْلَ الْبَيْعِ (وَعَلَيْهِ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ زَكَاةُ مُنْفَرِدٍ) لِثُبُوتِ حُكْمِ الِانْفِرَادِ لَهُ (وَعَلَى مُشْتَرٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ زَكَاةُ خَلِيطٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الِانْفِرَادِ أَصْلًا وَكَذَا إنْ أَعْلَمَ عَلَى النِّصْفِ وَبَاعَهُ مُخْتَلِطًا، وَإِنْ أَفْرَدَهُ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اخْتَلَطَا ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ. (وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا ثُمَّ) مَلَكَ (أَخَّرَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ كَأَرْبَعِينَ شَاةً مَلَكَهَا فِي الْمُحَرَّمِ ثُمَّ) مَلَكَ (أَرْبَعِينَ فِي صَفَرٍ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْأَوَّلِ فَقَطْ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ) لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَزِدْ الْوَاجِبُ عَلَى شَاةٍ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ الْحَوْلَانِ (وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ) أَيْ بِمَا مَلَكَهُ ثَانِيًا الْفَرْضُ (كَمِائَةٍ) مَلَكَهَا فِي صَفَرٍ بَعْدَ مِلْكِهِ أَرْبَعِينَ فِي الْمُحَرَّمِ (زَكَّاهُ) أَيْ النِّصَابَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْمِائَةُ (إذَا تَمَّ حَوْلُهُ) كَمَا لَوْ اتَّفَقَ. حَوْلَاهُمَا (وَقَدْرُهَا) أَيْ زَكَاةِ الثَّانِي (بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى زَكَاةِ الْجَمِيعِ) وَهُوَ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ فِي الْمِثَالِ (فَيَسْقُطُ مِنْهَا) أَيْ: زَكَاةِ الْجَمِيعِ (مَا وَجَبَ فِي) النِّصَابِ (الْأَوَّلِ) وَهُوَ شَاةٌ (وَيَجِبُ الْبَاقِي) مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيع (فِي) النِّصَابِ (الثَّانِي وَهُوَ شَاةٌ) وَلَوْ مَلَكَ مِائَةً أُخْرَى فِي رَبِيعٍ، فَفِيهَا أَيْضًا شَاةٌ فَقَطْ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا. (وَإِنْ تَغَيَّرَ) الْفَرْضُ (بِهِ) أَيْ بِمَا مَلَكَهُ ثَانِيًا (وَلَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا كَثَلَاثِينَ بَقَرَةً) مَلَكَهَا (فِي الْمُحَرَّمِ وَعَشْرٍ) مِنْ بَقَرٍ أَيْضًا مَلَكَهَا (فِي صَفَرٍ فَفِي) الثَّلَاثِينَ إذَا أُتِمَّ حَوْلُهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي (الْعَشْرِ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ) لِأَنَّ حَوْلَهَا تَمَّ عَلَى أَرْبَعِينَ، وَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَقَدْ زَكَّى الثَّلَاثِينَ، فَوَجَبَ فِي الْعَشْرِ بِقِسْطِهَا مِنْ الْمُسِنَّةِ وَهُوَ رُبْعُهَا (وَإِنْ) كَانَ مِلْكُهُ بَعْدَ النِّصَابِ (لَمْ يُغَيِّرْهُ) أَيْ الْفَرْضَ (وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا كَخَمْسِ) بَقَرَاتٍ مَلَكَهَا بَعْدَ الثَّلَاثِينَ بَقَرَةً (فَلَا شَيْءَ فِيهَا) أَيْ: الْخَمْسِ لِأَنَّهَا وَقْصٌ، وَكَمَا لَوْ مَلَكَ الْجَمِيعَ مَعًا (وَمَنْ لَهُ سِتُّونَ شَاةً كُلُّ عِشْرِينَ مِنْهَا) مُخْتَلِطَةٌ (مَعَ عِشْرِينَ لِآخَرَ) بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِلَادٍ مُتَقَارِبَةٍ (فَعَلَى الْجَمِيعِ شَاةٌ) لِأَنَّ الْخُلْطَةَ صَيَّرَتْهُ كَمَالٍ وَاحِدٍ (نِصْفُهَا) أَيْ: الشَّاةِ (عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ) شَاةً (وَنِصْفُهَا عَلَى خُلَطَائِهِ) عَلَى كُلِّ خَلِيطٍ سُدُسٌ بِنِسْبَةِ مَالِهِ، وَيَأْتِي إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ قَصْرٍ، فَمَتَى كَانَ بَعْضُ مَالِ الْإِنْسَانِ مُخْتَلِطًا وَبَاقِيهِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُخْتَلِطًا مَعَ آخَرَ صَارَ مَالُهُ كُلُّهُ كَالْمُخْتَلَطِ إنْ بَلَغَ مَالُ الْخُلْطَةِ نِصَابًا (وَإِنْ كَانَتْ) السِّتُّونَ (كُلُّ عَشْرٍ مِنْهَا) مُخْتَلِطٌ (مَعَ عَشْرٍ لِآخَرَ فَعَلَيْهِ) أَيْ صَاحِبِ السِّتِّينَ (شَاةٌ) لِمِلْكِهِ نِصَابًا (وَلَا شَيْءَ عَلَى خُلَطَائِهِ) لِعَدَمِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، وَلَا أَثَرَ لِخُلْطَةٍ فِيمَا دُونَ نِصَابٍ. فَصْلٌ وَلَا أَثَرَ لِتَفْرِقَةِ مَالٍ زَكَوِيٍّ (لِ) مَالِكٍ (وَاحِدٍ غَيْرَ سَائِمَةٍ بِمَحَلَّيْنِ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ قَصْرٍ) نَصًّا فَجَعَلَ التَّفْرِقَةَ فِي الْبَلَدَيْنِ كَالتَّفْرِقَةِ فِي الْمِلْكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ اجْتِمَاعُ مَالِ الْجَمَاعَةِ حَالَ الْخُلْطَةِ فِي مَرَافِقِ الْمِلْكِ وَمَقَاصِدِهِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ الْمُعْتَادَةِ فَصَيَّرَهُ كَمَالٍ وَاحِدٍ وَجَبَ تَأْثِيرُ الِافْتِرَاقِ الْفَاحِشِ فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ، حَتَّى يَجْعَلَهُ كَمَالَيْنِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ} وَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ تَخْرُجُ زَكَاتُهُ بِبَلَدِهِ فَيَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِذَلِكَ الْبَلَد، فَإِنْ جُمِعَ أَوْ فُرِّقَ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ لِلْخَبَرِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دُونَ الْمَسَافَةِ أَوْ كَانَتْ التَّفْرِقَةُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ لَمْ تُؤَثِّرْ إجْمَاعًا (فَلِكُلِّ مَا) أَيْ سَائِمَةٍ (فِي مَحَلٍّ مِنْهَا) أَيْ: الْمَحَالِّ الْمُتَبَاعِدَةِ (حُكْمٌ بِنَفْسِهِ فَعَلَى مَنْ لَهُ سَوَائِمُ بِمَحَالَّ مُتَبَاعِدَةٍ أَرْبَعُونَ شَاةً فِي كُلِّ مَحَلٍّ) مِنْ تِلْكَ الْمَحَالِّ (شِيَاهٌ بِعَدَدِهَا) أَيْ الْمَحَالِّ (وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ لَا يَجْتَمِعُ لَهُ نِصَابٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا) أَيْ: الْمَحَالِّ الْمُتَبَاعِدَةِ (غَيْرُ خَلِيطٍ) لِأَهْلِهَا فِي نِصَابِهَا (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ الشَّخْصِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ (سِتُّونَ شَاةً) بِثَلَاثِ مَحَالَّ مُتَبَاعِدَةٍ (فِي كُلِّ مَحَلٍّ عِشْرُونَ) مِنْهَا (خُلِطَتْ بِعِشْرِينَ لِآخَرَ لَزِمَ رَبَّ السِّتِّينَ شَاةٌ وَنِصْفُ) شَاةٍ. (وَ) لَزِمَ (كُلَّ خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُلْطَةٌ مَعَ أَهْلِهَا فِي نِصَابٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَلَا تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ سَائِمَةٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَقِلُّ بِجَمْعِهَا تَارَةً وَتَكْثُرُ أُخْرَى لِمَا فِيهَا مِنْ الْوَقْصِ. فَتُؤَثِّرُ نَفْعًا تَارَةً وَضَرَرًا أُخْرَى. وَسَائِرُ الْأَمْوَالِ لَا وَقْصَ فِيهَا، فَلَوْ أَثَّرَتْ لَأَثَّرَتْ ضَرَرًا مَحْضًا بِرَبِّ الْمَالِ (وَ) يَجُوزُ (لِسَاعٍ) يُجْبِي الزَّكَاةَ (أَخْذُ) وَاجِبٍ فِي مَالِ خُلْطَةٍ (مِنْ مَالِ أَيْ: الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ مَعَ حَاجَةٍ) بِأَنْ تَكُونَ الْفَرِيضَةُ عَيْنًا وَاحِدَةً (وَ) مَعَ (عَدَمِهَا) أَيْ: الْحَاجَةِ نَصًّا، بِأَنْ أَمْكَنَ أَخْذُ زَكَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِهِ فَلَا تَشْقِيصَ لِحَدِيثِ {وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَجَّعَانِ بِالسَّوِيَّةِ} أَيْ: إذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِسْبَةِ مَالِهِ، وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ صَارَا كَمَالٍ وَاحِدٍ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَكَذَا فِي أَخْذِهَا. (وَلَوْ) كَانَ أَخَذَ سَاعِي الزَّكَاةِ (بَعْدَ قِسْمَةٍ فِي خُلْطَةِ أَعْيَانٍ مَعَ بَقَاءِ النَّصِيبَيْنِ، وَقَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ) فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ أَيِّهِمَا شَاءَ لِسَبْقِ الْوُجُوبِ الْقِسْمَةَ. وَظَاهِرُهُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا مَا عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ انْفِرَادٍ فِي خُلْطَةِ أَوْصَافٍ (وَمَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ كَذِمِّيٍّ) وَمُكَاتَبٍ وَمَدِينٍ مُسْتَغْرَقٍ (لَا أَثَرَ لِخُلْطَتِهِ فِي جَوَازِ الْأَخْذِ) أَيْ: أَخْذِ سَاعِي الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ نَحْوِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ خُلْطَتَهُ لَا تُؤَثِّرُ فِي ضَمِّ أَحَدِ الْمَالَيْنِ إلَى الْآخَرِ فَأَشْبَهَا الْمُنْفَرِدَيْنِ. (وَيَرْجِعُ) خَلِيطٌ مِنْ أَهْلِهَا (مَأْخُوذٌ مِنْهُ) زَكَاةُ جَمِيعِ مَالِ خُلْطَةٍ (عَلَى خَلِيطِهِ بِقِيمَةِ الْقِسْطِ الَّذِي قَابَلَ مَالَهُ) أَيْ: الَّذِي لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ (مِنْ الْمُخْرِجِ) زَكَاةٌ لِلْخَبَرِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ الْأَخْذِ) أَيْ: أَخْذِ سَاعٍ لَهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ إذَنْ عَنْهُ (فَيَرْجِعُ رَبُّ خَمْسَةَ عَشْرَ بَعِيرًا مِنْ) أَصْلِ (خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ) بَعِيرًا خُلْطَةً (عَلَى رَبِّ عِشْرِينَ) مِنْهَا (بِقِيمَةِ أَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ بِنْتِ مَخَاضٍ) أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ لِلْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ (وَبِالْعَكْسِ) بِأَنْ أَخَذَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ مِنْ مَالِ رَبِّ الْعِشْرِينَ، رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ (بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا) لِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الْمَالِ، وَعَلَى نَحْوِ هَذَا حِسَابُهَا. (وَمِنْ بَيْنِهِمَا ثَمَانُونَ شَاةً نِصْفَيْنِ، وَعَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ بِقِيمَةِ عِشْرِينَ مِنْهَا فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ يَبْلُغُ نِصَابًا (عَلَى الْمَدِينِ) مِنْهَا (ثُلُثُهَا) أَيْ: الشَّاةِ لِمَنْعِ الدَّيْنِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيمَا قَابَلَهُ فَكَأَنَّهُ مَالِكٌ عِشْرِينَ خُلِطَتْ بِأَرْبَعِينَ، فَهِيَ ثُلُثٌ (وَعَلَى الْآخَرِ ثُلُثَاهَا) أَيْ: الشَّاةِ بِنِسْبَةِ مَالِهِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَرْجُوعٍ عَلَيْهِ فِي قِيمَةِ) مُخْرَجٍ مِنْ خَلِيطِهِ (بِيَمِينِهِ إنْ عُدِمَتْ بَيِّنَةٌ) بِالْقِيمَةِ (وَاحْتُمِلَ صِدْقُهُ) فِيمَا ادَّعَاهُ قِيمَةً؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَمُنْكِرٌ لِلزَّائِدِ؛ فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ عَمِلَ بِهَا أَوْ لَمْ يُحْتَمَلْ صِدْقُهُ، لِمُخَالَفَةِ الْحِسِّ، رُدَّ قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ) مَأْخُوذٌ مِنْهُ الزَّكَاةُ عَلَى خَلِيطٍ (بِقِسْطٍ زَائِدٍ) عَنْ وَاجِبٍ (أَخَذَهُ سَاعٍ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ) كَأَخْذِ صَحِيحَةٍ عَنْ مِرَاضٍ، أَوْ كَبِيرَةٍ عَنْ صِغَارٍ. وَكَذَا لَوْ أَخَذَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الْإِمَامِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ، قَالَ الْمَجْدُ: فَلَا يُنْقَضُ كَمَا فِي الْحَاكِمِ. قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ وَجَبَ دَفْعُهُ، وَصَارَ بِمُنْزِلَةِ الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّ فِعْلَ السَّاعِي فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ سَائِغٌ نَافِذٌ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِسَوَغَانِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ أَيْ: فِي أَخْذ الْقِيمَةِ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَدَمَهُ انْتَهَى. وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ خَلِيطٍ بِدُونِ إذْنِ خَلِيطِهِ فِي غَيْبَتِهِ وَحُضُورِهِ. وَالِاحْتِيَاطُ: بِإِذْنِهِ. و(لَا) يَرْجِعُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ بِقِسْطٍ زَائِدٍ أَخَذَهُ سَاعٍ (ظُلْمًا) بِلَا تَأْوِيلٍ كَأَخْذِهِ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً مُخْتَلِطَةً شَاتَيْنِ، أَوْ عَنْ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا جَذَعَةً مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا، فَلَا يَرْجِعُ فِي الْأُولَى إلَّا بِقِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ إلَّا بِقِيمَةِ نِصْفِ بِنْتِ مَخَاضٍ. لِأَنَّ الزِّيَادَةَ ظُلْمٌ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ، أَوْ مُتَسَبِّبٍ فِي ظُلْمِهِ.
(وَ) زَكَاةُ الْخَارِجِ مِنْ (النَّحْلِ) وَهُوَ عَسَلُهُ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا فِي ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " حَقُّهُ الزَّكَاةُ فِيهِ مَرَّةً الْعُشْرُ وَمَرَّةً نِصْفُ الْعُشْرِ " وقَوْله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَالزَّكَاةُ تُسَمَّى نَفَقَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي كُلِّ مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ) نَصًّا، وَيَدُلُّ لِاعْتِبَارِ الْكَيْلِ حَدِيثُ {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَيْلِ لَكَانَ ذِكْرُ الْأَوْسُقِ لَغْوًا. وَيَدُلُّ لِاعْتِبَارِ الِادِّخَارِ: أَنَّ غَيْرَ الْمُدَّخِرِ لَا تَكْمُلُ فِيهِ النِّعْمَةُ لِعَدَمِ النَّفْعِ بِهِ مَآلًا (مِنْ حَبٍّ) كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَبَاقِلَّاءَ وَأُرْزٍ وَحِمَّصٍ وَجُلُبَّانٍ وَذُرَةٍ وَدُخْنٍ وَعَدَسٍ وَلُوبْيَا وَتُرْمُسٍ وَسِمْسِمٍ وَقِرْطِمٍ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَالطَّاءِ وَقَدْ تُضَمُّ - وَلَوْ كَانَ الْحَبُّ (لِلْبُقُولِ ك) حَبِّ (الرَّشَادِ و) حَبِّ (الْفُجْلِ) وَالْخَرْدَلِ وَنَحْوِهِ وَحُلْبَةٍ وَنَحْوِهِمَا. (وَلَوْ) كَانَ الْحَبُّ (لِمَا لَا يُؤْكَلُ ك) حَبِّ (أُشْنَانٍ و) حَبِّ (قُطْنٍ وَنَحْوِهِمَا) كَحَبِّ كَتَّانٍ وَنِيلَةٍ (أَوْ) كَانَ الْحَبُّ (مِنْ الْأَبَازِيرِ كَالْكُسْبَرَةِ وَالْكَمُّونِ) وَالشَّمَرِ (وَبَزْرِ الرَّيَاحِينِ وَ) بَزْرِ (الْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِمَا) كَبِزْرِ بِطِّيخٍ بِأَنْوَاعِهِ وَبَذْرِ خِيَارٍ وَهَنْدَبَا وَبَاذِنْجَانِ وَدُبَّاءٍ؛ وَهِيَ الْقَرْعُ بِنَوْعَيْهِ، أَوْ أَنْوَاعِهِ. وَخَسٍّ وَجَزَرٍ وَلِفْتٍ وَنَحْوِهَا (أَوْ) وَمِنْ (غَيْرِ حَبٍّ كَصَعْتَرٍ وَأُشْنَانٍ وَسِمَاقٍ أَوْ) مِنْ (وَرَقِ شَجَرٍ يَقْصِدُ كَسِدْرٍ وَخِطْمِيٍّ وَآسٍ) لِلْعُمُومِ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَكِيلٌ مُدَّخَرٌ أَشْبَهَ الْبُرَّ (أَوْ) مِنْ (ثَمَرٍ كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَلَوْز) نَصًّا. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مَكِيلٌ (وَفُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ) لِأَنَّهُ مَكِيلٌ مُدَّخَرٌ. و(لَا) تَجِبُ فِي (عُنَّابٍ وَزَيْتُونٍ) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِادِّخَارٍ (وَ) لَا فِي (جَوْزٍ) نَصًّا لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ (وَ) لَا فِي (تِينٍ وَتُوتٍ) وَمِشْمِشٍ (وَ) لَا فِي (بَقِيَّةِ الْفَوَاكِهِ) كَتُفَّاحٍ وَإِجَّاصٍ وَكُمَّثْرَى وَرُمَّانٍ وَسَفَرْجَلٍ وَنَبْقٍ وَمَوْزٍ وَخَوْخٍ وَيُسَمَّى الْفِرْسِكَ، وَأُتْرِجٍّ وَنَحْوِهَا، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا {لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ الصَّدَقَةُ} وَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ مَعْنَاهُ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ " كَتَبَ إلَى عُمَرَ - وَكَانَ عَامِلًا لَهُ عَلَى الطَّائِفِ - أَنَّ قِبَلَهُ حِيطَانًا فِيهَا مِنْ الْفِرْسِكِ وَالرُّمَّانِ مَا هُوَ أَكْثَرُ غَلَّةً مِنْ الْكُرُومِ أَضْعَافًا فَكَتَبَ يَسْتَأْمِرُ فِي الْعُشْرِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمَا عُشْرٌ وَقَالَ: هِيَ مِنْ الْعُفَاةِ كُلُّهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا عُشْرٌ " (وَ) لَا فِي (طَلْعِ فُحَّالٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَانِيهِ النَّخْلُ. (وَقَصَبٍ وَخَضْرٍ) كَلُفْتٍ وَكُرُنْبٍ وَنَحْوِهِمَا (وَبُقُولٍ) كَفُجْلٍ وَثُومٍ وَبَصَلٍ وَكُرَّاثٍ (وَوَرْسٍ وَنُبُلٍ وَحِنَّاءٍ) فِي الْأَصَحِّ (وفوة وَبَقَّمٍ) وَلَا فِي قُطْنٍ وَقُنَّبٍ وَكَتَّانٍ (وَ) لَا فِي (زَهْرٍ كَعُصْفُرٍ وَزَعْفَرَانٍ) وَوَرْدٍ وَنَحْوِهِ. وَكَذَا نَحْوُ تِينٍ (وَ) لَا فِي (نَحْوِ ذَلِكَ) كَجَرِيدِ نَخْلٍ وَخُوصِهِ وَلِيفِهِ (بِشَرْطَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ ب تَجِبُ. أَحَدُهُمَا (أَنْ يَبْلُغَ) الْمَكِيلُ الْمُدَّخَرُ (نِصَابًا) لِلْخَبَرِ (وَقَدْرُهُ) أَيْ: النِّصَابِ (بَعْدَ تَصْفِيَةِ حَبٍّ) مِنْ قِشْرِهِ وَتِبْنِهِ (وَ) وَبَعْدَ (جَفَافِ ثَمَرٍ، و) جَفَافِ (وَرَقٍ: خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ} رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ خَاصُّ يَقْضِي عَلَى كُلِّ عَامٍّ وَمُطْلَقٌ وَلِأَنَّهَا زَكَاةُ مَالٍ فَاعْتُبِرَ لَهَا النِّصَابُ، كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ (هِيَ) أَيْ: الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ (ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ) لِأَنَّ الْوَسْقَ سِتُّونَ صَاعًا إجْمَاعًا لِنَصِّ الْخَبَرِ. (و) هِيَ (بِالرِّطْلِ الْعِرَاقِيِّ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ) رِطْلٍ لِأَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ (و بِ) الرِّطْلِ (الْمِصْرِيِّ أَلْفُ) رِطْلٍ (وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ) رِطْلٍ مِصْرِيٍّ (وَ بِ) الرِّطْلِ (الدِّمَشْقِيِّ ثَلَاثُمِائَةِ) رِطْلٍ (وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ) رِطْلٍ دِمَشْقِيٍّ (وب) الرِّطْلِ (الْحَلَبِيِّ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ رِطْلًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ) رِطْلٍ حَلَبِيٍّ (وب) الرِّطْلِ (الْقُدْسِيِّ مِائَتَانِ وَسَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ رِطْلًا وَسُبْعُ رِطْلٍ) قُدْسِيٍّ (وَالْأُرْزُ وَالْعَلْسُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ (يُدَّخَرَانِ فِي قِشْرِهِمَا) عَادَةً لِحِفْظِهِمَا (فَنِصَابُهَا مَعَهُ) أَيْ: الْقِشْرِ (بِبَلَدٍ خُبِرَا) أَيْ: الْأُرْزُ وَالْعَلْسُ فِيهِ (فَوُجِدَا) بِالِاخْتِبَارِ (يَخْرُجُ مِنْهَا مُصَفَّى النِّصْفِ مَثَلًا ذَلِكَ) فَنِصَابُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي قِشْرِهِ إذَنْ عَشْرَةُ أَوْسُقٍ وَإِنْ زَادَا أَوْ نَقَصَا فَبِالْحِسَابِ، وَإِنْ شَكَّ فِي بُلُوغِ ذَلِكَ نِصَابًا خَيَّرَ مَالِكٌ بَيْنَ إخْرَاجِ عُشْرِهِ احْتِيَاطًا، وَبَيْنَ إخْرَاجِهِ مِنْ قِشْرِهِ لِيَتَحَقَّقَ حَالُهُ كَمَغْشُوشِ أَثْمَانٍ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ غَيْرِهِمَا فِي قِشْرِهِ، وَلَا إخْرَاجُهُ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ لِعَدَمِ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ (وَالْوِسْقُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا (وَالصَّاعُ وَالْمُدُّ مَكَايِيلُ) أَصَالَةً (نُقِلَتْ إلَى الْوَزْنِ) أَيْ: قُدِّرَتْ بِهِ (لِتُحْفَظَ مِنْ الزِّيَادَةِ) وَالنَّقْصِ (وَ) لِ (تُنْقَلَ) مِنْ الْحِجَازِ إلَى سَائِرِ الْبِلَادِ (وَالْمَكِيلُ) يَخْتَلِفُ. فَ (مِنْهُ ثَقِيلٌ كَأُرْزٍ) وَتَمْرٍ (وَ) مِنْهُ (مُتَوَسِّطٌ كَبُرٍّ) وَعَدَسٍ (وَ) مِنْهُ (خَفِيفٌ كَشَعِيرٍ) وَذُرَةٍ. وَأَكْثَرُ التَّمْرِ أَخَفُّ مِنْ الْحِنْطَةِ إذَا كِيلَ غَيْرَ مَكْبُوسٍ (وَالِاعْتِبَارُ) مِنْ هَذِهِ الْمَكِيلَاتِ (بِمُتَوَسِّطٍ) وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَالْعَدَسُ (فَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي خَفِيفٍ) بَلَغَ نِصَابًا كَيْلًا (قَارَبَ هَذَا الْوَزْنَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ) أَيْ: الْوَزْنَ. لِأَنَّهُ فِي الْكَيْلِ كَالرَّزِينِ، وَلَا تَجِبُ فِي ثَقِيلٍ بَلَغَهُ وَزْنًا لَا كَيْلًا (فَمَنْ اتَّخَذَ مَا) أَيْ مَكِيلًا (يَسَعُ صَاعًا) وَتَقَدَّمَ تَقْدِيرُهُ (مِنْ جَيِّدِ الْبُرِّ) وَهُوَ الرَّزِينُ مِنْهُ الْمُسَاوِي لِلْعَدَسِ فِي وَزْنِهِ ثُمَّ كَالَ بِهِ مَا شَاءَ (عَرَفَ بِهِ مَا بَلَغَ حَدَّ الْوُجُوبِ) أَيْ: النِّصَابِ (مِنْ غَيْرِهِ) الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ، وَمَتَى شَكَّ فِي بُلُوغِهِ لِلنِّصَابِ احْتَاطَ وَأَخْرَجَ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَلَمْ يَثْبُتْ مَعَ الشَّكِّ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ (وَتُضَمُّ أَنْوَاعُ الْجِنْسِ) بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ (مِنْ زَرْعِ الْعَامِ الْوَاحِدِ) وَلَوْ تَعَدَّدَ الْبَلَدُ، كَعَلْسٍ إلَى حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا، وَسُلْتٍ إلَى شَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْحُبُوبَ بِهِ فِي صُورَتِهِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْهُ. (وَ) مِنْ (ثَمَرَتِهِ) أَيْ: الْعَامِ الْوَاحِدِ كَتَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمِيٍّ، فَيُضَمَّانِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَكَالْمَوَاشِي وَالْأَثْمَانِ (وَلَوْ) كَانَتْ الثَّمَرَةُ (مِمَّا) أَيْ: شَجَرٍ (يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ حَمْلَيْنِ) فَيُضَمُّ بَعْضُهَا (إلَى بَعْضٍ) لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ كَالذُّرَةِ الَّتِي تَنْبُتُ مُرَّتَيْنِ، وَلِأَنَّ وُجُودَ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا كَحَمْلِ الذُّرَةِ و(لَا) يُضَمُّ (جِنْسٌ) مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ (إلَى) جِنْسٍ (آخَرَ) فِي تَكْمِيل النِّصَابِ، فَلَا تُضَمُّ حِنْطَةٌ إلَى شَعِيرٍ، وَلَا الْقُطْنِيَّاتُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَلَا تَمْرٌ إلَى زَبِيبٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَنْوَاعِ، فَانْقَطَعَ الْقِيَاسُ، فَلَمْ يَجُزْ إيجَابُ زَكَاةٍ بِالتَّحَكُّمِ، وَكَذَا لَا يُضَمُّ زَرْعُ عَامٍ إلَى عَامٍ آخَرَ، وَلَا ثَمَرَةُ عَامٍ لِآخَرَ، وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ لِانْفِصَالِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي) مِلْكُهُ أَيْ: النِّصَابِ (وَقْتَ وُجُوبِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ، وَيَأْتِي (فَلَا تَجِبُ) زَكَاةٌ (فِي مُكْتَسَبِ لِقَاطٍ، و) لَا فِي (أُجْرَةِ حِصَارٍ) وَنَحْوِهِ وَلَا فِيمَا مُلِكَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِهِمَا (وَلَا فِيمَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِأَخْذِهِ) مِنْ الْمُبَاحَاتِ (كَبُطْمٍ وَزَعْبَلٍ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ شَعِيرُ الْجَبَلِ (وَبَزْرِ قُطُوّنَا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الطَّاءِ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ (وَنَحْوُهُ) كَحَبِّ نَمَّامٍ وَعَفْصٍ وَأُشْنَانٍ وَسِمَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقْتَ الْوُجُوبِ. وَلَوْ نَبَتَ بِأَرْضِهِ. لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِحَوْزِهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِوُجُوبِ زَكَاةٍ (فِعْلُ الزَّرْعِ فَيُزَكِّي نِصَابًا حَصَلَ مِنْ حَبٍّ لَهُ سَقَطَ) لِنَحْوِ سَيْلٍ أَوْ غَيْرِهِ (ب) أَرْضٍ (مِلْكِهِ أَوْ) بِأَرْضٍ (مُبَاحَةٍ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، قُلْت: وَكَذَا لَوْ سَقَطَ بِمَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ إلَّا غَاصِبًا تَمَلَّكَ رَبُّ الْأَرْضِ زَرْعَهُ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَيَجِبُ فِيمَا يُشْرَبُ بِلَا كُلْفَةٍ مِمَّا تَقَدَّمَ: إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ (ك) الَّذِي يَشْرَبُ (بِعُرُوقِهِ) وَيُسَمَّى بَعْلًا (وَ) كَاَلَّذِي يَشْرَبُ ب (غَيْثٍ) وَهُوَ الَّذِي يُزْرَعُ عَلَى الْمَطَرِ (وَ) الَّذِي يُشْرَبُ (بِسَيْحٍ) أَيْ: مَاءٍ جَارٍ عَلَى وَجْهِ أَرْضٍ كَنَهْرٍ وَعَيْنٍ (وَلَوْ) كَانَ السَّقْيُ (بِإِجْرَاءِ مَاءِ حَفِيرَةٍ) حَصَلَ فِيهَا مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ أَوْ نَهْرٍ (شَرَاهُ) أَيْ: الْمَاءَ، رَبُّ زَرْعٍ وَثَمَرٍ (الْعُشْرُ) فَاعِلُ يَجِبُ، لِلْخَبَرِ وَلِنُدْرَةِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ، وَهِيَ فِي مِلْكِ الْمَاءِ. لَا فِي السَّقْيِ بِهِ (وَلَا تُؤَثِّرُ مُؤْنَةُ حَفْرِ نَهْرٍ) وَقَنَاةٌ لِقِلَّتِهَا، وَلِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ (وَ) لَا تُؤَثِّرُ مُؤْنَةُ (تَحْوِيلِ مَاءٍ) فِي سَوَاقٍ وَإِصْلَاحِ طُرُقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى فِي السَّقْيِ بِكُلْفَةٍ، فَهُوَ كَحَرْثِ الْأَرْضِ (و) يَجِبُ فِيمَا يَشْرَبُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ (بِهَا، كَدَوَالٍ) جَمْعُ دَالِيَةٍ دُولَابٌ تُدِيرُهُ الْبَقَرُ، أَوْ دِلَاءٌ صِغَارٌ يَسْتَقِي بِهَا. (وَ) ك (نَوَاضِحَ) جَمْعُ نَاضِحٍ أَوْ نَاضِحَةٍ، الْبَعِيرُ يَسْتَقِي عَلَيْهِ، وَكَنَاعُورَةِ دُولَابٍ يُدِيرُهُ الْمَاءُ (وَ) ك (تَرْقِيَةُ) الْمَاءِ. (بِغَرْفٍ وَنَحْوِهِ: نِصْفُهُ) أَيْ الْعُشْرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ {فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلًا: الْعُشْرُ فِيمَا سَقَى السَّوَاقِي وَالنَّضْحُ نِصْفُ الْعُشْرِ} وَالسَّوَاقِي وَالنَّوَاضِحُ الْإِبِلُ يَسْتَقِي عَلَيْهِمَا سَقْيَ الْأَرْضِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ يَحْتَمِلُ مِنْ الْمُوَاسَاةِ عِنْدَ خِفَّةِ الْمُؤْنَةِ مَا لَا يَحْتَمِلُ عِنْدَ كَثْرَتِهِمَا (وَ) يَجِبُ (فِيمَا يُشْرِبُ بِهِمَا) أَيْ: بِكُلْفَةٍ وَغَيْرِ كُلْفَةٍ (نِصْفَانِ) أَيْ: نِصْفُ مُدَّتِهِ بِلَا كُلْفَةٍ وَنِصْفُهَا بِكُلْفَةٍ (بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ) أَيْ: الْعُشْرِ، وَنِصْفُهُ لِنِصْفِ الْعَامِ بِلَا كُلْفَةٍ وَرُبْعُهُ لِلْآخَرِ (فَإِنْ تَفَاوَتَا) أَيْ: السَّقْيُ بِكُلْفَةٍ وَالسَّقْيُ بِغَيْرِهَا، بِأَنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ (فَالْحُكْمُ لِأَكْثَرِهِمَا) أَيْ: السَّقْيَيْنِ (نَفْعًا وَنُمُوًّا) نَصًّا، فَلَا اعْتِبَارَ بِعَدَدِ السَّقْيَات؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا هُنَا. (فَإِنْ جُهِلَ) مِقْدَارُ السَّقْيِ فَلَمْ يُدْرَ أَيَّهُمَا أَكْثَرُ أَوْ جُهِلَ الْأَكْثَرُ نَفْعًا وَنُمُوًّا (فَالْعُشْرُ) وَاجِبٌ احْتِيَاطًا لِأَنَّ تَمَامَ الْعُشْرِ تَعَارَضَ فِيهِ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ فَغَلَبَ الْمُوجِبُ لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَمَنْ لَهُ حَائِطَانِ ضُمَّا فِي النِّصَابِ لِكُلٍّ حُكْمُ نَفْسِهِ فِي السَّقْيِ بِكُلْفَةٍ وَغَيْرِهَا. (وَيُصَدَّقُ مَالِكٌ) اُدْعِي السَّقْيَ بِكُلْفَةٍ وَأَنْكَرَ سَاعٍ (فِيمَا سَقَى بِهِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُسْتَحْلَفُونَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ. (وَوَقْتُ وُجُوبِ) زَكَاةٍ (فِي حَبٍّ إذْ اشْتَدَّ) لِأَنَّ اشْتِدَادَهُ حَالَ صَلَاحِهِ لِلْأَخْذِ وَالتَّوْسِيقِ وَالِادِّخَارِ (وَ) وَقْتُ وُجُوبِهَا (وَفِي ثَمَرَةٍ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا) أَيْ بِطِيبِ أَكْلِهَا وَظُهُورِ نُضْجِهَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْخَرْصِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِحِفْظِ الزَّكَاةِ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا فَدَلَّ عَلَى تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِهِ؛ وَلِأَنَّ الْحَبَّ وَالثَّمَرَ فِي الْحَالَيْنِ يُقْصَدَانِ لِلْأَكْلِ وَالِاقْتِيَاتِ، وَفِي نَحْوِ صَعْتَرٍ وَوَرَقِ سِدْرٍ اسْتِحْقَاقُهُ: أَنْ يُؤْخَذَ عَادَةً. (فَلَوْ بَاعَ) مَالِكُ (الْحَبِّ أَوْ الثَّمَرَةِ) أَوْ وَهَبَهُمَا وَنَحْوَهُ بَعْدُ (أَوْ تَلِفَا) أَيْ: الْحَبُّ وَالثَّمَرَةُ (بِتَعَدِّيهِ) أَيْ: الْمَالِكِ أَوْ تَفْرِيطِهِ (بَعْدَ) الِاشْتِدَادِ وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ (لَمْ تَسْقُطْ) زَكَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ بَعْدُ، وَلَهُ وَرَثَةٌ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، أَوْ كَانُوا مَدِينَيْنِ وَنَحْوَهُ. (وَيَصِحُّ) مِمَّنْ بَاعَ حَبًّا أَوْ ثَمَرَةً بَعْدَ الْوُجُوبِ (اشْتِرَاطُ الْإِخْرَاجِ) لِلزَّكَاةِ (عَلَى مُشْتَرٍ) لِلْعِلْمِ بِهَا، فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى قَدْرَهَا، وَوَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِهَا حَتَّى لَوْ تَعَذَّرَتْ مِنْ مُشْتَرٍ طُولِبَ بِهَا بَائِعٌ. وَيُفَارِقُ مَا إذَا اسْتَثْنَى زَكَاةَ نِصَابِ مَاشِيَةِ لِلْجَهَالَةِ، أَوْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِأَصْلِهِ، وَشَرَطَ عَلَى بَائِعِ زَكَاتَهُ، لِأَنَّهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْعِوَضِ الَّذِي يَصِير إلَيْهِ. (وَ) إنْ بَاعَ الْحَبَّ أَوْ الثَّمَرَةَ أَوْ تَلِفَا بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ (قِيلَ) اشْتِدَادٌ أَوْ بُدُوُّ صَلَاحٍ (فَلَا زَكَاةَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلُ وَلَهُ وَرَثَةٌ مَدِينُونَ، أَوْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا (إلَّا إنْ قَصَدَ) بِبَيْعِهِ أَوْ إتْلَافِهِ قَبْلَ وُجُوبِهَا (الْفِرَارَ مِنْهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ، فَلَا تَسْقُطُ وَتُقَدَّمُ (وَتُقْبَلُ) مِنْهُ (دَعْوَى عَدَمِهِ) أَيْ: الْفِرَارِ بِلَا قَرِينَةٍ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَ) يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى (التَّلَفِ) لِلْمَالِ قَبْلَ وُجُوبِ زَكَاتِهِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ (بِلَا يَمِينٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ اُتُّهِمَ) فِيهِ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) أَيْ التَّلَفَ (ب) سَبَبٍ (ظَاهِرٍ) كَحَرِيقٍ وَجَرَادٍ (فَكُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ) أَيْ: إنَّ السَّبَبَ وُجِدَ لِإِمْكَانِهَا (ثُمَّ يُصَدَّقُ فِيمَا تَلِفَ) مِنْ مَالِهِ بِذَلِكَ كَالْوَدِيعِ وَالْوَكِيلِ. (وَلَا تَسْتَقِرُّ) زَكَاةُ نَحْوِ حَبٍّ وَثَمَرَةٍ (إلَّا بِجُعْلٍ) لَهُ (فِي جَرِينٍ) مَوْضِعُ تَشْمِيسِهَا. يُسَمَّى بِذَلِكَ بِمِصْرَ وَالْعِرَاقِ (أَوْ بَيْدَرٍ) هُوَ اسْمُهُ بِالشَّرْقِ وَالشَّامِ (أَوْ مِسْطَاحٍ) هُوَ اسْمُهُ بِلُغَةِ آخَرِينَ (وَنَحْوِهَا) كَالْمِرْبَدِ، وَهُوَ بِلُغَةِ الْحِجَازِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْخَارِصَ إذَا خَرَصَ الثَّمَرَ ثُمَّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ قَبْلَ الْجِذَاذِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَا لَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ فَإِنْ تَلِفَ الْبَعْضُ فَإِنْ بَلَغَ الْبَاقِي نِصَابًا زَكَّاهُ، وَإِلَّا فَلَا (يَلْزَمُ) رَبَّ مَالٍ (إخْرَاجُ حَبٍّ مُصَفًّى) مِنْ تِبْنِهِ وَقِشْرِهِ. (وَ) إخْرَاجُ (ثَمَرٍ يَابِسٍ) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ زَبِيبًا كَمَا يَخْرُصَ التَّمْرَ} وَلَا يُسَمَّى زَبِيبًا وَتَمْرًا حَقِيقَةً إلَّا الْيَابِسُ وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَيْهِمَا وَلِأَنَّ حَالَ تَصْفِيَةِ الْحَبِّ وَجَفَافِ التَّمْرِ حَالَ كَمَالٍ وَنِهَايَةُ صِفَاتِ ادِّخَارِهِ وَوَقْتِ لُزُومِ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ (وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُ الْإِخْرَاجُ كَذَلِكَ. (وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى قَطْعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ قَبْلَ كَمَالِهِ لِضَعْفِ أَصْلٍ) هـ (أَوْ) ل (خَوْفِ عَطَشٍ أَوْ) ل (تَحْسِينِ بَقِيَّةٍ أَوْ) وَجَبَ قَطْعُهُ (لِكَوْنِ رَطْبِهِ لَا يُتْمَرُ) أَيْ: لَا يَصِيرُ تَمْرًا (أَوْ) لِكَوْنِ (عِنَبِهِ لَا يُزَبَّبْ) أَيْ: لَا يَصِيرُ زَبِيبًا، فَيَخْرُجُ عَنْهُ تَمْرًا وَزَبِيبًا، وَإِنْ قَطَعَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لِمُصْلِحَةٍ مَا غَيْرَ فَارٍّ مِنْهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ (وَيُعْتَبَرُ نِصَابُهُ يَابِسًا) بِحَسَبِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ إذَا جَفَّ. وَإِنْ أَخْرَجَهَا مَالِكٌ سُنْبُلًا وَرَطْبًا وَعِنَبًا إلَى مَنْ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ لِنَفْسِهِ لَمْ يُجْزِهِ وكَانَتْ نَفْلًا. كَإِخْرَاجِ صَغِيرَةٍ مِنْ مَاشِيَةٍ عَنْ كِبَارٍ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ سَاعٍ كَذَلِكَ، فَقَدْ أَسَاءَ وَيَرُدُّهُ إنْ بَقِيَ بِحَالِهِ، وَإِنْ تَلِفَ رَدَّ مِثْلَهُ، وَإِنْ جَفَّفَهُ وَصَفَّاهُ وَكَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَقَدْ اسْتَوْفَاهُ. وَإِنْ كَانَ دُونَهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ وَإِنْ زَادَ رَدَّ الْفَضْلَ. (وَيَحْرُمُ الْقَطْعُ) لِلثَّمَرِ (مَعَ حُضُورِ سَاعٍ بِلَا إذْنِهِ) لِحَقِّ أَهْلِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَكَوْنِ السَّاعِي كَالْوَكِيلِ عَنْهُمْ، وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ بِحَسَبِ الْغَالِبِ. (وَ) يَحْرُمُ عَلَى مُزَكٍّ، مُتَصَدِّقٍ (شِرَاءُ زَكَاتِهِ أَوْ صَدَقَتِهِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَخْذِهَا مِنْهُ (وَلَا يَصِحُّ) الشِّرَاءُ لِحَدِيثِ عُمَرَ {لَا تَشْتَرِهِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَته كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَسْمًا لِمَادَّةِ اسْتِرْجَاعِ شَيْءٍ مِنْهَا حَيَاءً أَوْ طَمَعًا فِي مِثْلِهَا أَوْ خَوْفًا أَنْ لَا يُعْطِيَهُ بَعْدُ، فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِنَحْوِ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ دَيْنٍ خَلَتْ لِلْخَبَرِ. (وَسُنَّ) لِإِمَامٍ (بَعْثُ خَارِصٍ) أَيْ: حَازِرٍ يَطُوفُ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ ثُمَّ يُحْرِزُ قَدْرَ مَا عَلَيْهَا جَافًّا (لِثَمَرَةِ نَخْلٍ وَكَرْمٍ بَدَا صَلَاحُهَا) أَيْ: الثَّمَرَةِ. لِحَدِيثِ عَائِشَةَ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إلَى يَهُودَ لِيَخْرُصَ عَلَيْهِمْ النَّخْلَ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد {لِكَيْ يُحْصِيَ الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ} و{خَرَصَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ بِوَادِ الْقُرَى حَدِيقَةً لَهَا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَهُوَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِغَالِبِ الظَّنِّ، فَجَازَ كَتَقْوِيمِ الْمُتْلِفَاتِ، وَمِمَّنْ كَانَ يَرَى اسْتِحْبَابَهُ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَيَكْفِي) خَارِصٌ (وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ يُنَفِّذُ مَا اجْتَهَدَ فِيهِ كَحَاكِمٍ وَقَائِفٍ. (وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ) أَيْ: الْخَارِصِ (مُسْلِمًا أَمِينًا لَا يُتَّهَمُ) بِكَوْنِهِ مِنْ عَمُودِيِّ نَسَبٍ مَخْرُوصٍ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلرِّيبَةِ (خَبِيرًا) بِخَرْصٍ، وَلَوْ قِنًّا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْخَبِيرِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَلَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ (وَأُجْرَتُهُ) أَيْ: الْخَارِصِ (عَلَى رَبِّ الْمَالِ) لِعَمَلِهِ فِي مَالِهِ (وَإِلَّا) يَبْعَثْ إمَامٌ خَارِصًا (فَعَلَيْهِ) أَيْ: مَالِكِ نَخْلٍ وَكَرْمٍ (مَا يَفْعَلُهُ خَارِصٌ) فَيَخْرُصُ الثَّمَرَةَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِثِقَةِ عَارِفٍ (لِيَعْرِفَ) قَدْرَ (مَا يَجِبُ) عَلَيْهِ زَكَاةً (قَبْلَ تَصَرُّفِهِ) فِي الثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ بَقَاءَهُ إلَى الْجِذَاذِ وَالْجَفَافِ لَمْ يَحْتَجْ لِخَرْصٍ. (وَلَهُ) أَيْ: الْخَارِصِ أَوْ رَبِّ الْمَالِ إنْ لَمْ يُبْعَثْ لَهُ خَارِصٌ (الْخَرْصُ كَيْفَ شَاءَ) إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ فَإِنْ شَاءَ خَرَصَ كُلَّ نَخْلَةٍ أَوْ كَرْمَةٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ خَرَصَ الْجَمِيعَ دُفْعَةً بِأَنْ يَطُوفَ بِهِ وَيَنْظُرَ كَمْ فِيهِ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا، ثُمَّ كَمْ يَجِيءُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا. (وَيَجِبُ خَرْصُ) ثَمَرٍ (مُتَنَوِّعٍ) كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ. (وَ) يَجِبُ (تَزْكِيَتُهُ) أَيْ: الْمُتَنَوِّعِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ (كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ) فَيَخْرُجُ عَنْ الْجَيِّدِ جَيِّدًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ رَدِيءٌ، وَلَا يُلْزَمُ بِإِخْرَاجِ جَيِّدٍ عَنْ رَدِيءٍ (وَلَوْ شُقَّا) أَيْ: خَرْصٌ وَتَزْكِيَةُ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ حَالَ الْجَفَافِ قِلَّةً وَكَثْرَةً بِحَسَبِ اللُّجَمِ وَالْمَاوِيَّةِ. (وَيَجِبُ تَرْكُهُ) أَيْ: الْخَارِصِ (لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبْعُ فَيَجْتَهِدُ) خَارِصٌ فِي أَيِّهِمَا يَتْرُكُ (بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ) لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا {فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبْعَ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَلِمَا يَعْرِضُ لِلثِّمَارِ (فَإِنْ أَبَى) خَارِصٌ التَّرْكَ (فَلِرَبِّ الْمَالِ أَكْلُ قَدْرِ ذَلِكَ) أَيْ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ (مِنْ ثَمَرٍ) نَصًّا. (وَ) يَأْكُلُ مَالِكٌ (مِنْ حَبِّ الْعَادَةِ وَمَا يَحْتَاجُهُ وَلَا يَحْتَسِبُ) ذَلِكَ (عَلَيْهِ). قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ " لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ غَلَّتِهِ بِقَدْرِ مَا يَأْكُلُ هُوَ وَعِيَالُهُ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ " (وَيَكْمُلُ بِهِ) أَيْ: بِمَالِهِ أَكَلَهُ (النِّصَابُ إنْ لَمْ يَأْكُلْهُ) لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَهُ (وَتُؤْخَذُ زَكَاةُ مَا سِوَاهُ بِالْقِسْطِ) فَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ كُلُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا حَسَبَ الرُّبْعَ الَّذِي كَانَ لَهُ أَكْلُهُ مِنْ النِّصَابِ فَيَكْمُلُ، وَتُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ الْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَسْقٍ. (وَلَا يُهْدِي) رَبُّ الْمَالِ مِنْ الزَّرْعِ. قَالَ أَحْمَدُ وَقَدْ سَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ فَرِيكِ السُّنْبُلِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، قَالَ: فَيُهْدِي لِلْقَوْمِ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يُقْسَمَ. وَأَمَّا الثَّمَرُ فَمَا تَرَكَهُ خَارِصٌ لَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ (وَيُزَكِّي) رَبُّ مَالٍ (مَا تَرَكَهُ خَارِصٌ مِنْ الْوَاجِبِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِتَرْكِ الْخَارِصِ (وَ) يُزَكِّي رَبُّ الْمَالِ (مَا زَادَ عَلَى قَوْلِهِ) أَيْ الْخَارِصِ أَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ كَذَا (عِنْدَ جَفَافٍ) لِمَا سَبَقَ. (وَلَا) يُزَكِّي رَبُّ مَالٍ (عَلَى قَوْلِهِ) أَيْ: الْخَارِصِ (إنْ نَقَصَ) الثَّمَرُ عَمَّا قَالَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ وَاحْتَمَلَ قَبْلَ قَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ وَلَا كَغَلَطٍ نَحْوِ نِصْفٍ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ كَدَعْوَاهُ كَذِبَ خَارِصٍ عَمْدًا. وَإِنْ قَالَ: لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدَيَّ إلَّا كَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ بَعْضُهُ بِآفَةٍ لَا يَعْلَمُهَا. (وَمَا تَلِفَ) مِنْ ثَمَرٍ (عِنَبًا أَوْ رُطَبًا بِفِعْلِ مَالِكٍ) هِمَا (أَوْ ب) تَفْرِيطِهِ (ضَمِنَ زَكَاتَهُ) أَيْ: التَّالِفَ (بِخَرِصَةٍ زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا) أَيْ: بِمَا كَانَ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لَوْ لَمْ يَتْلَفْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَلْزَمُهُ تَجْفِيفُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لَوْ أَتْلَفَهُمَا فَيَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا. وَإِنْ تَلِفَا لَا بِفِعْلِ مَالِكٍ وَلَا بِتَفْرِيطِهِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُمَا وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يُخْرَصُ غَيْرُ نَخْلٍ وَكَرْمٍ) لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِهِمَا وَثَمَرَتُهُمَا تَجْتَمِعُ فِي الْعُذُوقِ وَالْعَنَاقِيدِ، فَيُمْكِنُ إتْيَانُ الْخَرْصِ عَلَيْهَا، وَالْحَاجَةُ إلَى أَكْلِهَا رَطْبَةً أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهَا فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ، وَلَا خِلَافَ إنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُ الْحُبُوبَ.
وَالزَّكَاةُ فِي خَارِجٍ مِنْ أَرْضٍ مُسْتَعَارَةٍ (عَلَى مُسْتَعِيرٍ) دُونَ مُعِيرٍ. (وَ) الزَّكَاةُ فِي خَارِجٍ مِنْ أَرْضٍ مُؤَجَّرَةٍ عَلَى (مُسْتَأْجِرِ) أَرْضٍ (دُونَ مَالِكِ) هَا؛ لِأَنَّهَا زَكَاةُ مَالٍ فَكَانَتْ عَلَى مَالِكِهِ كَالسَّائِمَةِ. وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا يَتَّجِرُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حُقُوقِ الزَّرْعِ. وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ تُزْرَعْ لَمْ تَجِبْ وَتُقَدَّرُ بِقَدْرِ الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ، فَإِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ. (وَمَتَى حَصَدَ غَاصِبُ أَرْضٍ زَرْعَهُ) مِنْ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ بِأَنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ رَبُّهَا قَبْلَ حَصَادِهِ (زَكَّاهُ) غَاصِبٌ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (وَيُزَكِّيهِ) أَيْ الزَّرْعَ (رَبُّهَا) أَيْ: الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (إنْ تَمَلَّكَهُ) أَيْ: الزَّرْعَ (قَبْلَ) حَصْدِهِ، وَلَوْ بَعْدَ اشْتِدَادٍ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِمِثْلِ بَذْرِهِ، وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ، فَقَدْ اسْتَنَدَ مِلْكُهُ إلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ إذَنْ. (وَيَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي) أَرْضٍ (خَرَاجِيَّةٍ) لِعُمُومِ {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَحَدِيثِ {فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ} وَغَيْرِهِ، فَالْخَرَاجُ فِي رَقَبَتِهَا وَالْعُشْرُ فِي غَلَّتِهَا؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْخَرَاجِ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَسَبَبَ الْعُشْرِ وُجُودُ الْمَاءِ، فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَأُجْرَةِ حَانُوتِ الْمُتَّجِرِ وَزَكَاتِهِ. (وَهِيَ) أَيْ: الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (مَا فُتِحَتْ عَنْوَةً) أَيْ: قَهْرًا وَغَلَبَةً بِالسَّيْفِ (وَلَمْ تُقَسَّمْ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ غَيْرَ مَكَّةَ. (وَ) الثَّانِيَةُ (مَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفًا مِنَّا، و) الثَّالِثَةُ (مَا صُولِحُوا) أَيْ: أَهْلُهَا (عَلَى أَنَّهَا) أَيْ: الْأَرْضَ (لَنَا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ) وَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فِي قَدْرِ الْخَرَاجِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ يُقَابِلُهُ، فَإِنْ كَانَ فِي غَلَّتِهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ وَخَضْرَاوَاتٍ، وَفِيهَا زَرْعٌ فِيهِ الزَّكَاةُ جَعَلَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرَاجِ إنْ وَفَّى بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْفُقَرَاءِ، وَزَكَّى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَلَّةٌ إلَّا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ أَدَّى الْخَرَاجَ مِنْ غَلَّتِهَا وَزَكَّى الْبَاقِيَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا. (وَ) الْأَرْضُ (الْعُشْرِيَّةُ) خَمْسَةُ أَضْرُبٍ (مَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَالْمَدِينَةِ وَنَحْوِهَا) كَجُوَاثَى مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ. (وَ) الثَّانِيَةُ (مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ كَالْبَصْرَةِ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ (وَنَحْوِهَا) كَمَدِينَةِ وَاسِطَ. (وَ) الثَّالِثَةُ (مَا صُولِحَ أَهْلُهَا عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْأَرْضَ (لَهُمْ بِخَرَاجٍ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ، كَالْيَمَنِ، و) الرَّابِعَةُ (مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِّمَ) بَيْنَ غَانِمِيهِ (كَنِصْفِ خَيْبَرَ، و) الْخَامِسَةُ (مَا أَقْطَعَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ السَّوَادِ) أَيْ: أَرْضِ الْعِرَاقِ (إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ) كَاَلَّذِي أَقْطَعَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَخَبَّابٌ نَصًّا، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُمَلِّكُوا الْأَرْضَ بَلْ أَقْطَعُوا الْمَنْفَعَةَ، وَأَسْقَطَ الْخَرَاجَ عَنْهُمْ لِلْمَصْلَحَةِ، أَيْ: لِأَنَّهَا وَقْفٌ كَمَا يَأْتِي. (وَلِأَهْلِ الذِّمَّةِ شِرَاؤُهُمَا) أَيْ: الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَالْعُشْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَالٌ مُسَلَّمٌ يَجِبُ فِيهِ حَقٌّ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ، فَلَمْ يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ مِنْ شِرَائِهِمَا كَالسَّائِمَةِ. وَيُكْرَهُ لِمُسْلِمٍ بَيْعُهُمَا أَوْ إجَارَتُهُمَا أَوْ إعَارَتُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا لِذِمِّيٍّ لِإِفْضَائِهِ إلَى إسْقَاطِ عُشْرِ الْخَارِجِ مِنْهُمَا، وَشِرَاءُ الْخَرَاجِيَّةِ قَبُولُهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ فَلَيْسَ بَيْعًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا إذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَحَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ. (وَلَا تَصِيرُ بِهِ) أَيْ: شِرَاءِ الذِّمِّيِّ الْأَرْضَ (الْعُشْرِيَّةَ خَرَاجِيَّةً) كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ تَغْلِبِيٌّ (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا اشْتَرَوْا الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةُ أَوْ الْخَرَاجِيَّةَ أَوْ اسْتَأْجَرُوهُمَا وَنَحْوَهُ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ وَقُرْبَةٌ، وَلَيْسَوا أَهْلَهَا، وَإِنْ مَلَكَهَا تَغْلِبِيٌّ وَزَرَعَ أَوْ غَرَسَ فِيهَا وَحَصَلَ مَا يُزَكَّى كَانَ عَلَيْهِ عُشْرَانِ نَصًّا. يُصْرَفَانِ مَصْرِفَ الْجِزْيَةِ، وَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا، وَصَرَفَ الْآخَرَ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ.
وَيَجِبُ فِي الْعَسَلِ مِنْ النَّحْلِ الْعُشْرُ نَصًّا قَالَ: قَدْ أَخَذَ عُمَرُ مِنْهُمْ الزَّكَاةَ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ يَتَطَوَّعُونَ بِهِ؟ قَالَ: لَا بَلْ أَخَذَ مِنْهُمْ (سَوَاءٌ أَخَذَهُ) أَيْ: الْعَسَلَ (مِنْ مَوَاتٍ) كَرُؤْسِ جِبَالٍ (أَوْ) مِنْ أَرْضٍ (مَمْلُوكَةٍ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةً. لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ {أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ قِرَبِ الْعَسَلِ: مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً، مِنْ أَوْسَطِهَا} رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُ فِي الْعَسَلِ بِالْعُشْرِ " وَيُفَارِقُ الْعَسَلَ اللَّبَنُ بِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي أَصْلِ اللَّبَنِ، وَهُوَ السَّائِمَةُ، بِخِلَافِ الْعَسَلِ، وَبِأَنَّ الْعَسَلَ مَأْكُولٌ فِي الْعَادَةِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ النَّحْلَ يَقَعُ عَلَى نَوْرِ الشَّجَرِ فَيَأْكُلُهُ فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ، مَكِيلٌ، مُدَّخَرٌ فَأَشْبَهَ التَّمْرَ (وَنِصَابُهُ) أَيْ: الْعَسَلِ (مِائَةٌ وَسِتُّونَ رِطْلًا عِرَاقِيَّةً) وَذَلِكَ عَشْرَةُ أَفْرَاقٍ نَصًّا، جَمْعُ فَرَقٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ عُمَرَ " أَنَّ أُنَاسًا سَأَلُوهُ فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ لَنَا وَادِيًا بِالْيَمَنِ فِيهِ خَلَايَا مِنْ نَحْلٍ وَإِنَّا نَجِدُ نَاسًا يَسْرِقُونَهَا فَقَالَ عُمَرُ: إنْ أَدَّيْتُمْ صَدَقَتَهَا مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَفْرَاقٍ فَرَقًا حَمَيْنَاهَا لَكُمْ " وَالْفَرَقُ - مُحَرَّكًا - سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا عِرَاقِيَّةً وَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْفَرَقُ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ. (وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الشَّجَرِ كَالْمَنِّ وَالتَّرْنَجَبِيلِ، وَالشَّيْرَخُشْكِ وَنَحْوِهَا، كَاللَّاذَنِ، وَهُوَ ظِلٌّ وَنَدًى يَنْزِلُ عَلَى نَبْتٍ تَأْكُلُهُ الْمِعْزَى) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ وَالْمَعْزُ وَاحِدٌ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَوَاحِدُ الْمِعْزَى: مَاعِزٌ (فَتَعْلَقُ تِلْكَ الرُّطُوبَةُ بِهَا) أَيْ: الْمِعْزَى (فَتُؤْخَذُ) مِنْهَا لِعَدَمِ النَّصِّ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَشْبَهَ سَائِرَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الصَّيُودِ وَثِمَارِ الْجِبَالِ مَعَ أَنَّهُ الْقِيَاسُ فِي الْعَسَلِ، لَوْلَا الْأَثَرُ فِيهِ. (وَتَضْمِينُ أَمْوَالِ الْعُشْرِ، وَ) تَضْمِينُ أَمْوَالِ (الْخَرَاجِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ بَاطِلٌ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ فِي تَمَلُّكِ مَا زَادَ وَغُرْمِ مَا نَقَصَ، وَهَذَا مُنَافٍ لِمَوْضُوعِ الْعَمَالَةِ وَحُكْمِ الْأَمَانَةِ، سُئِلَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: {الْقَبَالَاتُ رِبًا} قَالَ: هُوَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقَرْيَةَ وَفِيهَا الْغُلُوجُ، وَالنَّحْلُ، فَسَمَّاهُ رِبًا أَيْ: فِي حُكْمِهِ فِي الْبُطْلَانِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " إيَّاكُمْ وَالرِّبَا أَلَا وَهِيَ الْقَبَالَاتُ أَلَا وَهِيَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ " وَالْقَبِيلُ الْكَفِيلُ.
وَفِي الْمَعْدِنِ بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي عَدَنَ بِهِ الْجَوْهَرُ وَنَحْوُهُ، سُمِّيَ بِهِ لِعُدُونِ مَا أَنْبَتَهُ اللَّهُ فِيهِ، أَيْ: إقَامَتُهُ بِهِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْجَوْهَرُ وَنَحْوُهُ وَسَوَاءٌ الْمُنْطَبِعُ وَغَيْرُهُ (وَهُوَ) أَيْ: الْمَعْدِنُ (كُلُّ مُتَوَلِّدٍ فِي الْأَرْضِ لَا مِنْ جِنْسِهَا) أَيْ: الْأَرْضِ لِيُخْرِجَ التُّرَابَ (وَلَا نَبَاتَ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ وَصُفْرٍ وَرَصَاصٍ وَحَدِيدٍ وَكُحْلٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ وَزِفْتٍ وَمِلْحٍ وَزِئْبَقٍ وَقَارٍ وَنِفْطٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَيَاقُوتٍ وَبِنَفْشِ وَزَبَرْجَدٍ وَفَيْرُوزَجَ وَمُومْيَا وَيَشُمّ. قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَعْدِنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، حَيْثُ كَانَ، فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي الْبَرَارِي. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: بِأَنَّ مِنْهُ رُخَامًا وَبِرَامًا وَحَجَرًا وَمِنْ نَحْوِهَا، وَحَدِيثُ {لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ} إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَحْجَارِ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا عَادَةً، قَالَهُ الْقَاضِي (إذَا اسْتَخْرَجَ: رُبْعَ الْعُشْرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} الْآيَةَ وَلِأَنَّهُ مَالٌ أَيُّهُمْ غَنِمَهُ أَخْرَجَ خُمُسَهُ. (فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مَعْدِنٍ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ) كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مِنْ عَيْنِ نَقْدٍ) أَيْ: ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (وَ) مِنْ (قِيمَةِ غَيْرِهِ) أَيْ: النَّقْدِ يُصْرَفُ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ. لِحَدِيثِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبِي دَاوُد {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ الْمَعَادِنَ الْقَبْلِيَّةَ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ} قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْقَبَلِيَّةُ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْحِجَازِ (بِشَرْطِ بُلُوغِهِمَا) أَيْ: النَّقْدِ وَقِيمَةِ غَيْرِهِ (نِصَابًا بَعْدَ سَبْكٍ وَتَصْفِيَةٍ) كَحَبٍّ وَثَمَرٍ، فَلَوْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرٍ بِتُرَابِهِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ رُدَّ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ أَخْذٍ فِي قَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، فَإِنْ صَفَّاهُ فَكَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَجْزَأَ، وَإِنْ زَادَ رَدَّ الزِّيَادَةَ إلَّا أَنْ يَسْمَحَ لَهُ بِهَا الْمُخْرِجُ، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَى الْمُخْرِجِ، وَقَدْ ذَكَرْت مَا فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ. (وَلَا يُحْتَسَبُ بِمُؤْنَتِهِمَا) أَيْ: السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ فَيُسْقِطُهَا وَيُزَكِّي الْبَاقِيَ بَلْ الْكُلَّ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ دَيْنًا كَمُؤْنَةِ حَصَادٍ وَدِيَاسٍ، وَفِي كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ مَا ذَكَرْته فِي الْحَاشِيَةِ (وَلَا) يُحْتَسَبُ (بِمُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِ) مَعْدِنٍ إنْ لَمْ تَكُنْ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا زَكَّى مَا سِوَاهَا، كَالْخَرَاجِ سَبَقَهَا الْوُجُوبُ. (و) يُشْتَرَطُ (كَوْنُ مُخْرِجِ) مَعْدِنٍ (مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ) لِلزَّكَاةِ، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَدِينًا يَنْقُصُ بِهِ النِّصَابُ لَمْ تَلْزَمْهُ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ وَحَدِيثِ الْمَعْدِنُ جُبَارٌ {وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ}. قَالَ الْقَاضِي. وَغَيْرُهُ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ " الْمَعْدِنُ جُبَارٌ " إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَجِيرِ شَيْءٌ وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الْمَعْدِنِ فَقَتَلَهُ. لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَأْجِرَ شَيْءٌ فَتَجِبُ زَكَاةُ الْمَعْدِنِ بِالشَّرْطَيْنِ (وَلَوْ) اسْتَخْرَجَهُ (فِي دَفَعَاتٍ) كَثِيرَةٍ (لَمْ يُهْمِلْ الْعَمَلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ: الدَّفَعَاتِ (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَإِصْلَاحِ آلَةٍ وَاشْتِغَالٍ بِتُرَابٍ يَخْرُجُ بَيْنَ النَّيْلَيْنِ، أَيْ: الْإِصَابَتَيْنِ أَوْ هَرَبِ عَبْدِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (أَوْ) كَانَ لَهُ عُذْرٌ وَلَمْ يُهْمِلْ الْعَمَلَ (بَعْدَ زَوَالِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَإِنْ أَهْمَلَهُ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ بِلَا عُذْرٍ فَلِكُلِّ مَرَّةٍ حُكْمُهَا. (وَيَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ) فِي زَكَاةِ مَعْدِنٍ (بِإِحْرَازِهِ) فَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِهِ بَعْدَهُ مُطْلَقًا، وَقَبْلَهُ بِلَا فِعْلِهِ وَلَا تَفْرِيطٍ تَسْقُطُ (فَمَا بَاعَهُ) مِنْ مُحْرِزٍ مِنْ مَعْدِنٍ (تُرَابًا) بِلَا تَصْفِيَةٍ وَبَلَغَ نِصَابًا وَلَوْ بِالضَّمِّ (زَكَّاهُ كَتُرَابِ صَاغَةٍ) وَيَصِحُّ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَإِنْ اسْتَتَرَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، فَهُوَ كَبَيْعِ نَحْوِ لَوْزٍ فِي قِشْرِهِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ تُرَابٌ صَاغَهُ: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمَيُّزُهُ عَنْ تُرَابِهِ إلَّا فِي ثَانِي الْحَالِ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، وَبِذَلِكَ اُحْتُمِلَتْ جَهَالَةُ اخْتِلَاطِ الْمُرَكَّبَاتِ مِنْ مَعَاجِينَ وَنَحْوِهَا، وَنَحْوِ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ. (وَ) الْمَعْدِنِ (الْجَامِدِ الْمُخْرَجِ مِنْ) أَرْضٍ (مَمْلُوكَةٍ لِرَبِّهَا) أَيْ: الْأَرْضِ، أَخْرَجَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ (لَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى يَدِهِ) كَمَدْفُونٍ مَنْسِيٍّ، وَالْجَارِي الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ لِمُسْتَخْرِجِهِ. (وَلَا تَتَكَرَّرُ زَكَاةُ مُعَشَّرَاتٍ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُرْصَدَةٍ لِلنَّمَاءِ، فَهِيَ كَعُرُوضِ الْقِنْيَةِ بَلْ أَوْلَى لِنَقْصِهَا بِنَحْوِ أَكْلٍ. (وَلَا) تَتَكَرَّرُ أَيْضًا زَكَاةُ (مَعْدِنٍ) لِأَنَّهُ عَرْضٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ أَشْبَهَ الْمُعَشَّرَاتِ (غَيْرَ نَقْدٍ) فَتَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلنَّمَاءِ كَالْمَوَاشِي. (وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ) مِنْ مَعَادِنَ (إلَى) جِنْسٍ (آخَرَ فِي تَكْمِيلِ نِصَابٍ) كَبَقِيَّةِ الْأَمْوَالِ (غَيْرِهِ) أَيْ النَّقْدِ، فَيُضَمُّ ذَهَبٌ إلَى فِضَّةٍ مِنْ مَعْدِنٍ وَغَيْرِهِ لِمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ (وَيُضَمُّ مَا تَعَدَّدَتْ مَعَادِنُهُ) أَيْ: أَمَاكِنُ اسْتِخْرَاجِهِ (وَاتَّحَدَ جِنْسُهُ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ كَزَرْعِ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي أَمَاكِنَ. (وَلَا زَكَاةَ فِي مِسْكٍ وَزَبَاد، وَلَا فِي مُخْرَجٍ مِنْ بَحْرٍ كَسَمَكٍ وَلُؤْلُؤٍ وَمِرْجَانٍ) مِنْ خَوَاصِّهِ: أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ (و) لَا فِي (عَنْبَرٍ وَنَحْوِهِ) وَلَوْ بَلَغَ نِصَابًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَكَانَ الْعَنْبَرُ وَغَيْرُهُ يُوجَدُ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ، وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْهُ وَلَا عَنْهُمْ فِيهِ سُنَّةٌ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ.
الرِّكَازُ الْكَنْزُ أُخِذَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ: دَفِينِهِمْ (أَوْ) دِفْنِ (مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ كُفَّارٍ فِي الْجُمْلَةِ) سُمِّيَ بِهِ مِنْ الرُّكُوزِ أَيْ: التَّغَيُّبِ، وَمِنْهُ رَكَزْت الرُّمْحَ إذَا غَيَّبْت أَسْفَلَهُ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْهُ الرِّكْزُ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ وَيَلْحَقُ بِالدَّفْنِ مَا وُجِدَ عَلَى وَجْهِ أَرْضٍ وَيَأْتِي (عَلَيْهِ) كُلِّهِ (أَوْ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ كُفْرٍ فَقَطْ) أَيْ: لَا عَلَامَةُ إسْلَامٍ (وَفِيهِ) أَيْ: الرِّكَازِ إذَا وُجِدَ (وَلَوْ) كَانَ (قَلِيلًا أَوْ عَرْضًا الْخُمْسُ) عَلَى وَاجِدِهِ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وَمُكَاتَبٍ وَعَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ. لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْهُ وَغَيْرُهُ. (يُصْرَفُ) أَيْ: يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ. وَلِوَاجِدِهِ أَيْضًا تَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ (مَصْرِفَ الْفَيْءِ الْمُطْلَقِ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا) نَصًّا. لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ " أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ أَلْفَ دِينَارٍ مَدْفُونَةً خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخَذَ مِنْهَا مِائَتَيْ دِينَارٍ وَدَفَعَ إلَى الرَّجُلِ بَقِيَّتَهَا وَجَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُقَسِّمُ الْمِائَتَيْنِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، إلَى أَنْ فَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ؟ فَقَامَ إلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ: خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ " وَلَوْ كَانَ الْخُمْسُ زَكَاةً لَخَصَّ بِهِ أَهْلَ الزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ. وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. وَلِلْإِمَامِ رَدُّ خُمْسِ الرِّكَازِ أَوْ بَعْضِهِ لِوَاجِدِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ وَتَرْكِهِ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ فَيْءٌ (وَبَاقِيهِ) أَيْ: الرِّكَازِ (لِوَاجِدِهِ) لِلْخَبَرِ (وَلَوْ) كَانَ (أَجِيرًا) لِنَحْوِ نَقْضِ حَائِطٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ (لَا) أَنْ كَانَ أَجِيرًا (لِطَلَبِهِ) أَيْ الرِّكَازِ فَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِدَ نَائِبُهُ فِيهِ (أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا) فَبَاقِي مَا وَجَدَهُ لَهُ. وَإِنْ كَانَ قِنًّا فَلِسَيِّدِهِ وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ (بِدَارِنَا مَدْفُونًا بِمَوَاتٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ) فِي (أَرْضٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ) أَيْ الْوَاجِدِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَلَمْ يَدَعْهُ مُنْتَقِلَةً عَنْهُ (أَوْ) فِي أَرْضٍ (لَا يَعْلَمُ مَالِكُهَا أَوْ عَلِمَ) مَالِكُهَا (وَلَمْ يَدَعْهُ) أَيْ: الرِّكَازَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، بَلْ مُودَعٌ فِيهَا أَشْبَهَ الصَّيْدَ يَمْلِكُهُ آخِذُهُ. (وَمَتَى ادَّعَاهُ) أَيْ: الرِّكَازَ مَالِكُ أَرْضٍ (أَوْ) ادَّعَاهُ (مَنْ انْتَقَلَتْ) الْأَرْضُ (عَنْهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ) لِلرِّكَازِ (حَلَفَ وَأَخَذَهُ) أَيْ الرِّكَازَ؛ لِأَنَّ يَدَ مَالِكِ الْأَرْضِ عَلَى الرِّكَازِ وَيَدَ مَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ الْأَرْضُ كَانَتْ عَلَيْهِ بِكَوْنِهَا عَلَى مَحَلِّهِ. وَيَغْرَمُ وَاجِدٌ خُمُسَهُ إنْ أَخْرَجَهُ اخْتِيَارًا (أَوْ ظَاهِرًا) بِأَنْ وَجَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ) فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا بِطَرِيقٍ مَسْلُوكٍ فَلُقَطَةٌ (أَوْ) وَجَدَهُ ظَاهِرًا ب (خَرِبَةٍ بِدَارِ إسْلَامٍ أَوْ) بِدَارِ (عَهْدٍ أَوْ) بِدَارِ (حَرْبٍ وَقَدَرَ) وَاجْدُهُ (عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ) قَدَرَ عَلَيْهِ (بِجَمَاعَةٍ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ) أَيْ: لَا قُوَّةَ لَهُمْ عَلَى دَفْعِ الْعَدُوِّ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا حُرْمَةَ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَجَدَهُ بِمَوَاتٍ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَعْدِنٍ بِدَارِ حَرْبٍ بِجَمَاعَةٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ كَانَ كَالْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّ قُوَّتَهُمْ أَوْصَلَتْهُمْ إلَيْهِ، فَيُخَمَّسُ الْمَعْدِنُ أَيْضًا بَعْدَ إخْرَاجِ رُبْعِ عُشْرِهِ (وَمَا) وُجِدَ كَمَا تَقَدَّمَ وَ(خَلَا مِنْ عَلَامَةِ) كُفَّارٍ، كَأَسْمَاءِ مُلُوكِهِمْ أَوْ صُوَرِهِمْ أَوْ صُوَرِ أَصْنَامِهِمْ أَوْ صُلْبَانِهِمْ وَنَحْوِهَا (أَوْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ فَ) هُوَ (لُقَطَةٌ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ، لَمْ يَعْلَمْ زَوَالَ مِلْكِهِ، وَتَغْلِيبًا لِحُكْمِ دَارِ الْإِسْلَامِ. (وَوَاجِدُهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ (فِي) أَرْضٍ (مَمْلُوكَةٍ أَحَقُّ) بِهَا (مِنْ مَالِكِ) أَرْضٍ، فَيُعَرِّفُهَا ثُمَّ يَمْلِكُهَا (وَرَبُّهَا) أَيْ: الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ (أَحَقُّ بِرِكَازٍ وَلُقَطَةٍ) بِهَا (مِنْ وَاجِدٍ مُتَعَدٍّ بِدُخُولِهِ) فِيهَا. (وَإِذَا تَدَاعَى دَفِينَةً بِدَارِ مُؤَجِّرُهَا وَمُسْتَأْجِرُهَا) وَمِثْلُهُمَا مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ (فَ) هِيَ (لِوَاصِفِهَا) لِوُجُوبِ دَفْعِ اللُّقَطَةِ لِمَنْ وَصَفَهَا (بِيَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ فِي دَعْوَاهَا، فَإِنْ لَمْ تُوصَفْ، فَقَوْلُ مُكْتَرٍ وَمُسْتَعِيرٍ بِيَمِينِهِ لِتَرَجُّحِهِ بِالْيَدِ.
الْأَثْمَانِ جَمْعُ ثَمَنٍ (وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) فَالْفُلُوسُ، وَلَوْ رَائِجَةً عُرُوضٌ أَيْ: الْقَدْرُ الْوَاجِبُ فِيهِمَا (رُبْعُ عُشْرِهِمَا) لِلْأَخْبَارِ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِمَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، بِشَرْطِ بُلُوغِهِمَا نِصَابًا. (وَأَقَلُّ نِصَابِ ذَهَبٍ: عِشْرُونَ مِثْقَالًا) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا {لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ} رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ (وَهِيَ) أَيْ الْعِشْرُونَ مِثْقَالًا (ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ) دِرْهَمٍ (إسْلَامِيٍّ) إذْ الْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ كَمَا يَأْتِي (وَ) هِيَ بِالدَّنَانِيرِ (خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) دِينَارًا (وَسُبْعَا دِينَارٍ وَتُسْعُهُ) أَيْ: الدِّينَارِ (ب) الدِّينَارِ (الَّذِي زِنَتُهُ دِرْهَمٌ وَثُمْنُ دِرْهَمٍ عَلَى التَّحْدِيدِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ نِصَابَ الْأَثْمَانِ تَقْرِيبٌ، يُعْفَى فِيهِ عَنْ نَحْوِ حَبَّةٍ وَحَبَّتَيْنِ (وَالْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) إسْلَامِيٍّ (وَ) الْمِثْقَالُ (بِالدَّوَانِقِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ) دَانِقٍ (وَ) الْمِثْقَالُ (بِالشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطِ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً، وَالدِّرْهَمُ) الْإِسْلَامِيُّ نِسْبَتُهُ لِلْمِثْقَالِ (نِصْفُ مِثْقَالٍ وَخُمْسُهُ) فَالْعَشَرَةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ (وَ) الدِّرْهَمُ بِالدَّوَانِقِ (سِتَّةُ دَوَانِقَ وَهِيَ) أَيْ السِّتَّةُ دَوَانِقَ (خَمْسُونَ) حَبَّةَ شَعِيرٍ (وَخُمْسَا حَبَّةِ) شَعِيرٍ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ حَبَّةَ خُرْنُوبٍ (وَالدَّانِقُ ثَمَانِ حَبَّاتِ) شَعِيرٍ (وَخُمْسَانِ) مِنْ حَبَّةٍ مِنْهُ. (وَأَقَلُّ نِصَابِ فِضَّةٍ: مِائَتَا دِرْهَمٍ) إسْلَامِيٍّ إجْمَاعًا لِحَدِيثِ {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا (وَتُرَدُّ الدَّرَاهِمُ الْخُرَاسَانِيَّةُ، وَهِيَ دَانِقٌ أَوْ نَحْوُهُ) إلَى الدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ (وَ) تُرَدُّ الدَّرَاهِمُ (الْيَمَنِيَّةُ وَهِيَ دَانِقَانِ وَنِصْفٌ) إلَى الدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ (وَ) وَتُرَدُّ الدَّرَاهِمُ (الطَّبَرِيَّةُ) نِسْبَةً إلَى طَبَرِيَّةِ الشَّامِ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ (وَهِيَ أَرْبَعَةُ) دَوَانِقَ إلَى الدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ (وَ) تُرَدُّ الدَّرَاهِمُ (الْبَغْلِيَّةُ) نِسْبَةً إلَى مَلِكٍ يُسَمَّى رَأْسَ الْبَغْلِ (وَتُسَمَّى السَّوْدَاءَ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ) دَوَانِقَ (إلَى الدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: أَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَلَمْ تَتَغَيَّرْ الْمَثَاقِيلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. (وَيُزَكَّى مَغْشُوشُ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (بَلَغَ خَالِصُهُ نِصَابًا) نَصًّا وَإِلَّا فَلَا. وَيُكْرَهُ ضَرْبُ نَقْدٍ مَغْشُوشٍ وَاِتِّخَاذُهُ نَصًّا وَالضَّرْبُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ (فَإِنْ شَكَّ فِيهِ) أَيْ: فِي بُلُوغِ مَغْشُوشٍ نِصَابًا (سَبَكَهُ) أَيْ: الْمَغْشُوشَ لِيَعْلَمَ خَالِصَهُ (أَوْ اسْتَظْهَرَ) أَيْ: احْتَاطَ (فَأَخْرَجَ) عَنْ مَغْشُوشٍ (مَا يُجْزِيهِ) إخْرَاجُهُ عَنْهُ (بِيَقِينٍ) لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ. وَالْأَفْضَلُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ مَا لَا غِشَّ فِيهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ مَا تَيَقَّنَ أَنَّ فِيهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ ادَّعَى رَبُّ مَالٍ عِلْمَ غِشِّهِ أَوْ أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ وَأَخْرَجَ الْفَرْضَ قُبِلَ بِلَا يَمِينٍ. (وَيُزَكِّي غِشٌّ) مِنْ نَقْدٍ (بَلَغَ بِضَمٍّ) إلَى غَيْرِهِ (نِصَابًا) فَأَرْبَعُمِائَةٍ ذَهَبٌ فِيهَا مِائَةٌ فِضَّةٍ، وَعِنْدَهُ مِائَةٌ فِضَّةٌ يُزَكِّي الْمِائَةَ الْغِشَّ؛ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ نِصَابًا بِانْضِمَامِهَا إلَى الْمِائَةِ الْأُخْرَى. وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِضَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تُضَمُّ إلَى الذَّهَبِ (أَوْ) بَلَغَ نِصَابًا (بِدُونِهِ) أَيْ الضَّمِّ، (كَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ) فِيهَا (ذَهَبٌ ثَلَاثُمِائَةٍ و) فِيهَا (فِضَّةٌ مِائَتَانِ) فَيُزَكِّي الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ الْغِشَّ؛ لِأَنَّهَا نِصَابٌ بِنَفْسِهَا (وَإِنْ شَكَّ مِنْ أَيِّهِمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (الثَّلَاثُمِائَةِ) دِرْهَمٍ (اسْتَظْهَرَ فَجَعَلَهَا ذَهَبًا) فَيُخْرِجُ زَكَاةَ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ ذَهَبًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً احْتِيَاطًا. (وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ مَغْشُوشٍ بِصَنْعَةِ الْغِشِّ، وَفِيهِ) أَيْ الْمَغْشُوشِ (نِصَابٌ) مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَوْ مِنْهُمَا (أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ) أَيْ: الْمَغْشُوشِ، فَعِشْرُونَ مِثْقَالًا غُشَّتْ فَصَارَتْ تُسَاوِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا أَخْرَجَ عَنْهَا رُبْعَ الْعُشْرِ مِمَّا قِيمَتُهُ كَقِيمَتِهَا، كَمَا يُخْرِجُ عَنْ الْجَيِّدِ الصَّحِيحِ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ عَنْ قِيمَتِهِ (كَحُلِيِّ الْكِرَاءِ إذْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِصِنَاعَتِهِ) فَيُعْتَبَرُ فِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَغْشُوشِ نِصَابٌ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ النَّقْدِ بِالصِّنَاعَةِ وَالضَّرْبِ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِي النِّصَابِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ. (وَيُعْرَفُ غِشُّهُ) أَيْ: الذَّهَبِ الْمَغْشُوشِ بَعْضُهُ (بِوَضْعِ ذَهَبٍ خَالِصٍ وَزْنُهُ) أَيْ: الْمَغْشُوشِ (بِمَاءٍ) أَيْ: فِيهِ (فِي إنَاءٍ أَسْفَلَهُ) أَيْ: الْإِنَاءِ (كَأَعْلَاهُ) قَدْرًا ثُمَّ يَرْفَعُ الذَّهَبَ (ثُمَّ) يُوضَعُ (فِضَّةٌ) خَالِصَةٌ (وَزْنُهُ) أَيْ: الْمَغْشُوشِ (وَهِيَ) أَيْ: الْفِضَّةُ (أَضْخَمُ مِنْ الذَّهَبِ) أَيْ أَغْلَظُ (ثُمَّ) تُرْفَعُ ثُمَّ يُوضَعُ (مَغْشُوشٌ) ثُمَّ يُرْفَعُ (وَيُعْلَمُ عِنْدَ) وَضْعِ كُلٍّ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مَغْشُوشٍ (عُلُوُّ الْمَاءِ) فِي الْإِنَاءِ وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ ضَيِّقًا لِيَظْهَرَ ذَلِكَ (فَإِنْ تَنَصَّفَتْ بَيْنَهُمَا) أَيْ: عَلَامَتَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (عَلَامَةُ مَغْشُوشٍ، فَنِصْفُهُ) أَيْ: الْمَغْشُوشِ (ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ، وَمَعَ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ) عَنْ ذَلِكَ (بِحِسَابِهِ) أَيْ: الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ.
وَيَخْرَجُ مُزَكٍّ عَنْ جَيِّدٍ صَحِيحٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مِنْ نَوْعِهِ كَالْمَاشِيَةِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِهِ، فَلَا يُجْزِئُ أَدْنَى عَنْ أَعْلَى إلَّا مَعَ الْفَضْلِ. (وَ) يُخْرِجُ عَنْ (رَدِيءٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (مِنْ نَوْعِهِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ أَعْلَى مِمَّا وَجَبَتْ فِيهِ. (وَ) إنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ مُزَكًّى أَخْرَجَ (مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ) لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، شَقَّ أَوْ لَمْ يَشُقَّ (وَالْأَفْضَلُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْأَعْلَى) الْأَجْوَدِ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ لِلْفُقَرَاءِ (وَيُجْزِئُ) إخْرَاجُ (رَدِيءٍ عَنْ أَعْلَى) مَعَ الْفَضْلِ، كَدِينَارٍ وَنِصْفٍ مِنْ الرَّدِيءِ عَنْ دِينَارٍ جَيِّدٍ مَعَ تَسَاوِي الْقِيمَةِ نَصًّا؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يُجْزِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ. كَمَا لَا يُجْزِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ (وَ) يُجْزِئُ (مُكَسَّرٌ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (عَنْ صَحِيحٍ) مِنْهُمَا مَعَ الْفَضْلِ. (وَ) يُجْزِئُ (مَغْشُوشٌ عَنْ) خَالِصٍ (جَيِّدٍ) مَعَ الْفَضْلِ، (وَ) تُجْزِئُ دَرَاهِمُ (سُودٌ عَنْ) دَرَاهِمَ (بِيضٍ مَعَ الْفَضْلِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ قِيمَةً وَقَدْرًا، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ (وَ) يُجْزِئُ (قَلِيلُ الْقِيمَةِ عَنْ كَثِيرِهَا) أَيْ: الْقِيمَةِ مِنْ نَوْعِهَا (مَعَ اتِّفَاقِ الْوَزْنِ) لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالنَّوْعِ، وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهُ، وَلَا يُجْزِئُ أَعْلَى مِنْ وَاجِبٍ بِالْقِيمَةِ، دُونَ الْوَزْنِ فَلَوْ وَجَبَ نِصْفُ دِينَارٍ رَدِيءٍ، فَأَخْرَجَ عَنْهُ ثُلُثٌ جَيِّدٌ يُسَاوِيهِ قِيمَةً لَمْ يُجْزِهِ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ، فَيُخْرِجُ أَيْضًا سُدُسًا (وَيُضَمُّ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ بِالْإِجْزَاءِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) لِأَنَّ زَكَاتَهُمَا وَمَقَاصِدَهُمَا مُتَّفِقَةٌ، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُضَمُّ إلَى مَا يُضَمُّ إلَيْهِ الْآخَر، فَضُمَّ إلَى الْآخَرِ كَأَنْوَاعِ الْجِنْسِ فَمَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا وَمِائَةَ دِرْهَمٍ فِضَّةً زَكَّاهُمَا وَلَوْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةَ مَثَاقِيلَ تُسَاوِي مِائَةً دِرْهَمٍ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّ مَا لَا يُقَوَّمُ لَوْ تَفَرَّدَ لَا يُقَوَّمُ مَعَ غَيْرِهِ، كَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ (وَيُخْرِجُ) أَحَدَ النَّقْدَيْنِ (عَنْهُ) أَيْ: الْآخَرِ، فَيُخْرَجُ ذَهَبٌ عَنْ فِضَّةٍ وَعَكْسُهُ بِالْقِيمَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْ الثَّمَنِيَّةِ، وَالتَّوَسُّلُ إلَى الْمَقَاصِدِ، فَهُوَ كَإِخْرَاجِ مُكَسَّرَةٍ عَنْ صِحَاحٍ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ، لِاخْتِلَافِ مَقَاصِدِهَا، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْمُعْطِي وَالْآخِذِ، وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى التَّشْقِيصِ وَالْمُشَارَكَةِ، أَوْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْآخَرِ فِي زَكَاةِ مَا دُونَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، لَإِنْ اخْتَارَ مَالِكٌ الدَّفْعَ مِنْ الْجِنْسِ وَأَبَاهُ فَقِيرٌ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي أَخْذِهِ لَمْ يَلْزَمْ مَالِكًا إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ فَلَمْ يُكَلَّفْ سِوَاهُ. (و) يُضَمُّ (جَيِّدُ كُلِّ جِنْسٍ وَمَضْرُوبُهُ إلَى رَدِيئِهِ وَتِبْرِهِ) كَأَنْوَاعِ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، بَلْ أَوْلَى هُنَا. (وَ) تُضَمُّ (قِيمَةُ عُرُوضِ تِجَارَةٍ إلَى أَحَدِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (و) تُضَمُّ إلَى (جَمِيعِهِ) فَمَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ وَعُرُوضَ تِجَارَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةً أَيْضًا أَوْ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَعُرُوضًا تُسَاوِي مِائَةً أُخْرَى؛ ضَمَّهُمَا وَزَكَّاهُمَا، أَوْ مَلَكَ خَمْسَةَ مَثَاقِيلَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ وَعُرُوضَ تِجَارَةٍ تُسَاوِي خَمْسَةَ مَثَاقِيلَ، ضَمَّ الْكُلَّ وَزَكَّاهُ فَأَخْرَجَ رُبْعَ الْعُشْرِ مِنْ أَيِّ نَقْدٍ شَاءَ، لِأَنَّ الْعُرُوضَ تُقَوَّمُ بِكُلٍّ مِنْ النَّقْدَيْنِ فَتَرْجِعُ إلَيْهِمَا وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ فُلُوسٍ، لِأَنَّهَا عُرُوضٌ لَا نَقْدٌ.
وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ مُعَدٍّ لِاسْتِعْمَالٍ أَوْ إعَارَةٍ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ أَوْ يُعِرْهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا {لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ} رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ أُخْتِهَا؛ وَلِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِرْبَاحِ إلَى اسْتِعْمَالِ مُبَاحٍ أَشْبَهَ ثِيَابَ الْبَذْلَةِ وَعَبِيدَ الْخِدْمَةِ. (وَلَوْ) كَانَ الْحُلِيُّ (لِمَنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ) كَرَجُلٍ اتَّخَذَ حُلِيَّ نِسَاءٍ لِإِعَارَتِهِنَّ، وَامْرَأَةٍ اتَّخَذَتْ حُلِيَّ رِجَالٍ لِإِعَارَتِهِمْ، وَحَدِيثِ {فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ} لَا يُعَارِضُهُ، لِأَنَّ الرِّقَّةَ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، أَوْ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْحُلِيِّ، لِمَا تَقَدَّمَ (غَيْرَ فَارٍّ) مِنْ زَكَاةٍ بِاِتِّخَاذِ الْحُلِيِّ، فَإِنْ اتَّخَذَهُ فِرَارًا زَكَّاهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ حُلِيٌّ مُبَاحٌ كَسْرًا لَا يُمْنَعُ لُبْسُهُ، فَكَصَحِيحٍ مَا لَمْ يَنْوِ تَرْكَ لُبْسِهِ، وَكَسْرٌ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهُ فَيُزَكَّى، لِأَنَّهُ صَارَ كَالنُّقْرَةِ، وَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ لِيَتِيمٍ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ، فَلِوَلِيِّهِ إعَارَتُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا زَكَاةَ وَإِلَّا زَكَّاهُ. (وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي) حُلِيٍّ (مُحَرَّمٍ) وَآنِيَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ الْمُحَرَّمَةَ كَالْعَدَمِ. تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ (مُعَدٍّ لِكِرَاءٍ أَوْ نَفَقَةٍ) وَنَحْوِهَا مِمَّا لَمْ يُعَدَّ لِاسْتِعْمَالٍ أَوْ إعَارَةٍ (إذَا بَلَغَ نِصَابًا وَزْنًا) لِأَنَّ سُقُوطَ الزَّكَاةِ فِيمَا اُتُّخِذَ لِاسْتِعْمَالٍ أَوْ إعَارَةٍ لِصَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (إلَّا الْمُبَاحَ) مِنْ الْحُلِيِّ الْمُعَدِّ (لِلتِّجَارَةِ وَلَوْ) كَانَ (نَقْدًا فَ) يُعْتَبَرُ نِصَابٌ (قِيمَتُهُ) نَصًّا، كَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ (وَيُقَوَّمُ) مُبَاحُ صِنَاعَةٍ لِتِجَارَةٍ وَلَوْ نَقْدًا (بِنَقْدٍ آخَرَ) فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ قُوِّمَ بِفِضَّةٍ وَبِالْعَكْسِ (إنْ كَانَ) تَقْوِيمُهُ بِنَقْدٍ آخَرِ (أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ) أَيْ: أَنْفَعَ لَهُمْ لِكَثْرَةِ قِيمَتِهِ (أَوْ نَقَصَ عَنْ نِصَابِهِ) كَخَوَاتِمِ فِضَّةٍ لِتِجَارَةٍ زِنَتُهَا مِائَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَقِيمَتُهَا عِشْرُونَ مِثْقَالًا ذَهَبًا فَيُزَكِّيهَا بِرُبْعِ عُشْرِ قِيمَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا تِسْعَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا وَجَبَ أَنْ لَا تُقَوَّمَ، وَأَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهَا (وَيُعْتَبَرُ مُبَاحُ صِنَاعَةٍ) مِنْ حُلِيٍّ تَجِبُ زَكَاتُهُ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ (بَلَغَ نِصَابًا وَزْنًا فِي إخْرَاجِ) زَكَاتِهِ (بِقِيمَتِهِ) اعْتِبَارًا لِلصَّنْعَةِ كَمُكَسَّرَةٍ عَنْ صِحَاحٍ، وَأَمَّا النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ وَزْنًا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَحْرُمُ أَنْ يُحَلَّى مَسْجِدٌ أَوْ مِحْرَابٌ) بِنَقْدٍ (أَوْ) أَنْ (يُمَوَّهَ سَقْفٌ أَوْ حَائِطٌ) مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (بِنَقْدٍ) وَكَذَا سَرْجٌ وَلِجَامٌ وَدَوَاةٌ وَمَقْلَمَةٌ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّهُ سَرَفٌ يُفْضِي إلَى الْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، فَهُوَ كَالْآنِيَةِ، وَقَدْ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِخَاتَمِ الذَّهَبِ لِلرَّجُلِ، فَتَمْوِيهٌ نَحْوِ السَّقْفِ أَوْلَى. وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ قِنْدِيلٍ مِنْ نَقْدٍ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوَهُ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ، هُوَ بِمُنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ، يُكْسَرُ وَيُصْرَفُ فِي مَصْلَحَتِهِ وَعِمَارَتِهِ (وَتَجِبُ إزَالَتُهُ) كَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ (وَ) تَجِبُ (زَكَاتُهُ) إنْ بَلَغَ نِصَابًا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِضَمِّهِ إلَى غَيْرِهِ (إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَ) فِيمَا حُلِّيَ بِهِ أَوْ مُوِّهَ بِهِ (فَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ) لَوْ أُزِيلَ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي وُجُوبِ الْإِزَالَةِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهَا وَلَا زَكَاةَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ ذَهَبَتْ. وَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخِلَافَةَ أَرَادَ جَمْعَ مَا فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ مِمَّا مُوِّهَ بِهِ مِنْ الذَّهَبِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَرَكَهُ.
وَيُبَاحُ لِذَكَرٍ وَخُنْثَى مِنْ فِضَّةٍ خَاتَمٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) لُبْسُهُ (بِخِنْصَرِ يَسَارٍ أَفْضَلُ) مِنْ لُبْسِهِ بِخِنْصَرِ يُمْنَى، وَضُعِّفَ حَدِيثُ التَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمَحْفُوظُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، فَكَانَ فِي الْخِنْصَرِ؛ لِأَنَّهَا طَرَفٌ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الِامْتِهَانِ فِيمَا تَتَنَاوَلُهُ الْيَدُ، وَلَا يَشْغَلُ الْيَدَ عَمَّا تَتَنَاوَلُهُ، وَلَهُ جَعْلُ فَصِّهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ {كَانَ فَصُّهُ مِنْهُ} وَلِمُسْلِمٍ {كَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا} (وَيَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ " قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَكُرِهَ) لُبْسُهُ (بِسَبَّابَةٍ وَوُسْطَى) لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِمَا اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ، وَإِنْ كَانَ الْخِنْصَرُ أَفْضَلَ (لَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ) أَيْ الْخَاتَمِ مِنْ فِضَّةٍ (أَكْثَرَ مِنْ مِثْقَالِ مَا لَمْ يَخْرُجُ عَنْ عَادَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ، خَرَجَ الْمُعْتَادُ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الْخَاتَمِ ذِكْرُ اللَّهِ، قُرْآنٌ أَوْ غَيْرُهُ نَصًّا. وَلُبْسُ خَاتَمَيْنِ فَأَكْثَرَ جَمِيعًا الْأَظْهَرُ الْجَوَازُ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ بَعْدَ ذِكْرِ اخْتِلَافِ ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ. (وَ) يُبَاحُ لِذَكَرٍ مِنْ فِضَّةٍ (قَبِيعَةُ سَيْفٍ) لِقَوْلِ أَنَسٍ {كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً} رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَالْقَبِيعَةُ مَا يُجْعَلُ عَلَى طَرَفِ الْقَبْضَةِ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ لَهُ أَشْبَهَتْ الْخَاتَمَ. (وَ) يُبَاحُ لَهُ (حِلْيَةُ مِنْطَقَةٍ) أَيْ: مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ، وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ حِيَاصَةً؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّخَذُوا الْمَنَاطِقَ مُحَلَّاةً بِالْفِضَّةِ، وَلِأَنَّهَا كَالْخَاتَمِ. (وَ) عَلَى قِيَاسِهِ حِلْيَةُ (جَوْشَنٍ) وَهُوَ الدِّرْعُ (وَخُوذَةٍ) وَهِيَ الْبَيْضَةُ (وَخُفٍّ وَانٍ، وَهِيَ شَيْءٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الْخُفِّ وَحَمَائِلُ) سَيْفٍ جَمْعُ حَمَّالَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُعْتَادَةٌ لِلرَّجُلِ، فَهِيَ كَالْخَاتَمِ، و(لَا) يُبَاحُ حِلْيَةُ (رِكَابٍ وَلِجَامٍ وَدَوَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَمِرْآةٍ وَسَرْجٍ وَمُكْحُلَةٍ وَمِجْمَرَةٍ فَتَحْرُمُ كَالْآنِيَةِ. (وَ) يُبَاحُ لِذَكَرٍ (مِنْ ذَهَبٍ قَبِيعَةُ سَيْفٍ) قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ فِي سَيْفِ عُمَرَ سَبَائِكُ مِنْ ذَهَبٍ وَكَانَ فِي سَيْفِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ مِسْمَارٌ مِنْ ذَهَبٍ. (وَ) يُبَاحُ لَهُ مِنْ ذَهَبٍ (مَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَأَنْفٍ) وَلَوْ أَمْكَنَ مِنْ فِضَّةٍ؛ {لِأَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكِلَابِ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ، فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (وَ) ك (شَدِّ سِنٍّ) رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ وَغَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ فَأُبِيحَ كَالْأَنْفِ. (وَ) يُبَاحُ (لِنِسَاءٍ مِنْهُمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ) قَلَّ أَوْ كَثُرَ (وَلَوْ زَادَ عَلَى أَلْفِ مِثْقَالٍ) كَسِوَارٍ وَدُمْلُوجٍ وَطَوْقٍ وَخَلْخَالٍ وَخَاتَمٍ وَقُرْطٍ وَمَا فِي مُخَانِقَ وَمَقَالِدَ مِنْ حَرَائِزَ وَتَعَاوِيذَ وَأُكَرٍ. قَالَ جَمْعٌ: وَالتَّاجُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (وَ) يُبَاحُ (لِرَجُلٍ) وَخُنْثَى (وَامْرَأَةٍ تَحِلُّ بِجَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ) كَزُمُرُّدٍ وَيَاقُوتٍ (وَيُكْرَهُ تَخَتُّمُهُمَا) أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (بِحَدِيدٍ وَصُفْرٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ) نَصًّا. وَنَقَلَ مُهَنَّا: أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ (وَيُسْتَحَبُّ) تَخَتُّمُهُمَا (بِعَقِيقٍ) ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ} قَالَ فِي الْفُرُوعِ، كَذَا ذَكَرَهُ. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا شَيْءٌ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، فَلَا يُسْتَحَبُّ هَذَا عِنْدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ، فَظَاهِرُهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا الْخَبَرُ فِي إسْنَادِهِ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ. الَّذِي قَالَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَبَاقِيه أَيْ السَّنَدِ جَيِّدٌ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ مِنْ الْمَوْضُوعِ انْتَهَى. وَيَحْرُمُ نَقْشُ صُورَةِ حَيَوَانٍ عَلَى خَاتَمٍ وَلُبْسِهِ مَا بَقِيَتْ عَلَيْهِ.
الْعُرُوضِ جَمْعُ عَرْضٍ أَيْ: عُرُوضِ التِّجَارَةِ (وَالْعَرْضُ) بِإِسْكَانِ الرَّاءِ (مَا يُعَدُّ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ لِأَجْلِ رِبْحٍ) وَلَوْ مِنْ نَقْدٍ، سُمِّيَ عَرْضًا لِأَنَّهُ يُعْرَضُ لِيُبَاعَ وَيُشْتَرَى تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ، كَتَسْمِيَةِ الْمَعْلُومِ عِلْمًا، أَوْ لِأَنَّهُ يُعْرَضُ ثُمَّ يَزُولُ وَيَفْنَى وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} وَقَوْلُهُ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وَمَالُ التِّجَارَةِ أَعَمُّ الْأَمْوَالِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالدُّخُولِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عُمَرَ لِحِمَاسٍ - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ " أَدِّ زَكَاةَ مَالِكِ فَقَالَ: مَا لِي إلَّا جِعَابٌ وَأُدْمٌ، فَقَالَ قَوِّمْهَا، وَأَدِّ زَكَاتَهَا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَلِأَنَّهَا مَالٌ مُرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ أَشْبَهَ النَّقْدَيْنِ وَالْمَوَاشِيَ (وَإِنَّمَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي قِيمَةِ) عُرُوضِ تِجَارَةٍ (بَلَغَتْ نِصَابًا) مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لَا فِي نَفْسِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ بِالْقِيمَةِ فَهِيَ مَحَلُّ الْوُجُوبِ. وَالْقِيمَةُ إنْ لَمْ تُوجَدْ عَيْنًا فَهِيَ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا (لِمَا) أَيْ: عَرْضٍ (مُلِكَ بِفِعْلٍ) كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ (وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ) كَاكْتِسَابِ مُبَاحٍ وَقَبُولِهِ هِبَةً وَوَصِيَّةً (أَوْ) كَانَ الْعَرْضُ (مَنْفَعَةً) كَمَنْ يَسْتَأْجِرُ حَانَاتٍ وَحَوَانِيتَ لِيَرْبَحَ فِيهَا (أَوْ) كَانَ الْمِلْكُ (اسْتِرْدَادًا) لِمَبِيعٍ بِخِيَارٍ أَوْ إقَالَةٍ (بِنِيَّةِ تِجَارَةٍ) عِنْدَ الْمِلْكِ مَعَ الِاسْتِصْحَابِ إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ كَالنِّصَابِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ، فَدَخَلَ فِي " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " فَإِنْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، كَإِرْثٍ وَمَضَى حَوْلُ تَعْرِيفِ لَفْظَةٍ، أَوْ مَلَكَهَا بِفِعْلِهِ، لَا بِنِيَّةِ تِجَارَةٍ، ثُمَّ نَوَاهَا لَهَا لَمْ تَصِرْ لَهَا؛ لِأَنَّ مَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ مِنْ أَصْلِهِ لَا يَصِيرُ مَحَلًّا لَهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَالْمَعْلُوفَةِ يَنْوِي سَوْمَهَا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُرُوضِ الْقِنْيَةُ فَلَا تَنْتَقِلُ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، لِضَعْفِهَا (أَوْ اسْتِصْحَابِ حُكْمِهَا) أَيْ: بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ (فِيمَا تُعَوِّضُ عَنْ عَرْضِهَا) أَيْ: التِّجَارَةِ وَلَوْ بِصُلْحٍ عَنْ قِنِّهَا الْمَقْتُولِ، بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَ نِيَّةِ التِّجَارَةِ، كَأَنْ تُعَوِّضَ عَنْ عَرْضِهَا شَيْئًا بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ (وَلَا تُجْزِي) زَكَاةُ تِجَارَةٍ (مِنْ الْعُرُوضِ) وَلَوْ بَهِيمَةَ أَنْعَامٍ أَوْ فُلُوسًا نَافِقَةً؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ الْقِيمَةُ. (وَمَنْ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِتِجَارَةٍ فَنَوَاهُ لِقِنْيَةٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا، صَارَ لَهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ (ثُمَّ) نَوَاهُ (لِتِجَارَةٍ لَمْ يَصِرْ لَهَا) أَيْ: التِّجَارَةِ لِأَنَّ الْقُنْيَةِ الْأَصْلُ، فَلَا تَنْتَقِلُ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِضَعْفِهَا، وَفَارَقَ السَّائِمَةَ إذَا نَوَى عَلْفَهَا؛ لِأَنَّ الْإِسَامَةَ شَرْطٌ دُونَ نِيَّتِهَا، فَلَا يَنْتَفِي الْوُجُوبُ إلَّا بِانْتِفَاءِ السَّوْمِ (غَيْرَ حُلِيٍّ لُبِسَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ زَكَاتِهِ، فَإِذَا نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ رَدَّهُ إلَى الْأَصْلِ، فَيَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ. (وَتُقَوَّمُ) عُرُوضُ تِجَارَةٍ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ (بِالْأَحَظِّ لِلْمَسَاكِينِ) يَعْنِي أَهْلَ الزَّكَاةِ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) كَأَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا نِصَابًا بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَتُقَوَّمَ بِهِ (لَا بِمَا اُشْتُرِيَتْ بِهِ) مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَقْوِيمُ مَالِ تِجَارَةٍ لِلزَّكَاةِ، فَكَانَ بِالْأَحَظِّ لِأَهْلِهَا، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِعَرْضٍ قِنْيَةً وَفِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ مُتَسَاوِيَانِ غَلَبَةً، وَبَلَغَتْ نِصَابًا بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْآخَرِ (فَتُقَوَّمُ) الْأَمَةُ (الْمُغَنِّيَةُ) وَالزَّامِرَةُ وَالضَّارِبَةُ بِآلَةِ لَهْوٍ (سَاذَجَةً) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ: مُجَرَّدَةً عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا (وَ) يُقَوَّمُ الْعَبْدُ (الْخَصِيُّ بِصِفَتِهِ) أَيْ: خَصِيًّا، لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ فِيهِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً (وَلَا عَبِرَةَ بِقِيمَةِ آنِيَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) وَنَحْوِهَا كَرِكَابٍ وَسَرْجٍ لِتَحْرِيمِهَا، فَيُعْتَبَرُ نِصَابُهَا وَزْنًا. (وَإِنْ اشْتَرَى عَرْضًا) لِتِجَارَةٍ (بِنِصَابٍ مِنْ أَثْمَانٍ أَوْ عُرُوضٍ) بَنَى عَلَى حَوْلِهِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ التِّجَارَةِ عَلَى التَّقَلُّبِ وَالِاسْتِبْدَالِ. وَلَوْ انْقَطَعَ الْحَوْلُ بِهِ لَبَطَلَتْ زَكَاتُهَا، وَالْأَثْمَانُ كَانَتْ ظَاهِرَةً وَصَارَتْ فِي ثَمَنِ الْعَرْضِ كَمَا مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَقْرَضَهَا (أَوْ) اشْتَرَى (نِصَابَ سَائِمَةٍ لِقِنْيَةٍ بِمِثْلِهِ) أَيْ: نِصَابِ سَائِمَةٍ (لِتِجَارَةٍ، بَنَى عَلَى حَوْلِهِ) أَيْ: مَا اشْتَرَى بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مَالَانِ مُتَفِّقَانِ فِي النِّصَابِ وَالْجِنْسِ فَلَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ فِيهِمَا بِالْمُبَادَلَةِ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ نِصَابَ السَّائِمَةِ غَيْرُ نِصَابِ التِّجَارَةِ وَالزَّكَاةِ فِي عَيْنِ السَّائِمَةِ، وَقِيمَةِ التِّجَارَةِ، فَلَمْ يَتَّحِدْ النِّصَابُ وَلَا الْجِنْسُ. وَيَأْتِي: مَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةٍ نِصْفَ حَوْلٍ ثُمَّ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ اسْتَأْنَفَهُ لِلسَّوْمِ فَهُنَا أَوْلَى. وَعِبَارَةُ التَّنْقِيحِ: وَإِنْ اشْتَرَى نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةٍ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ لِقُنْيَةٍ بَنَى انْتَهَى، وَمَعْنَاهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ: لِأَنَّ السَّوْمَ سَبَبٌ لِلزَّكَاةِ قُدِّمَ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِقُوَّتِهِ، فَبِزَوَالِ الْمُعَارِضِ يَثْبُتُ حُكْمُ السَّوْمِ لِظُهُورِهِ انْتَهَى، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا عَكْسُ كَلَامِهِ. و(لَا) يَبْنِي عَلَى الْحَوْلِ (إنْ اشْتَرَى عَرْضًا) غَيْرَ سَائِمَةٍ (بِنِصَابِ سَائِمَةٍ أَوْ بَاعَهُ) أَيْ: نِصَابَ السَّائِمَةِ (بِهِ) أَيْ: بِعَرْضٍ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ. (وَمَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةٍ) فَعَلَيْهِ زَكَاةُ تِجَارَةٍ فَقَطْ، وَلَوْ سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ حَوْلَهَا لِأَنَّ وَصْفَهَا يُزِيلُ سَبَبَ السَّوْمِ وَهُوَ الِاقْتِنَاءُ لِطَلَبِ النَّمَاءِ (أَوْ) مَلَكَ (أَرْضًا) لِتِجَارَةٍ (فَزُرِعَتْ) عَلَيْهِ زَكَاةُ تِجَارَةٍ فَقَطْ (أَوْ) مَلَكَ (نَخْلًا) لِتِجَارَةٍ (فَأَثْمَرَ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ تِجَارَةٍ) وَلَوْ سَبَقَ وَقْتُ الْوُجُوبِ حَوْلَ التِّجَارَةِ (فَقَطْ) لِأَنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ جُزْءٌ وَمَا خَرَجَ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَوَّمَا مَعَ الْأَصْلِ، كَالسِّخَالِ وَالرِّبْحِ الْمُتَجَدِّدِ، وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ لِلتِّجَارَةِ أَوْ الْقُنْيَةِ. وَفِي الْمُبْدِعِ وَالْإِقْنَاعِ: إنْ زَرَعَ بَذْرَ قُنْيَةٌ بِأَرْضِ تِجَارَةٍ، فَوَاجِبُ الزَّرْعِ الْعُشْرُ وَوَاجِبُ الْأَرْضِ: زَكَاةُ الْقِنْيَةِ. وَإِنْ زَرَعَ بَذْرَ تِجَارَةٍ فِي أَرْضِ قِنْيَةٍ. زَكَّى الزَّرْعَ (زَكَاةَ قِيمَةٍ إلَّا أَنْ لَا تَبْلُغَ) قِيمَتُهُ أَيْ: الْمَذْكُورِ مِنْ سَائِمَةٍ وَأَرْضٍ مَعَ زَرْعٍ وَنَخْلٍ مَعَ ثَمَرٍ (نِصَابًا) بِأَنْ نَقَصَتْ عَنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا وَعَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً (فَيُزَكِّي) ذَلِكَ (لِغَيْرِهَا) أَيْ التِّجَارَةِ، فَيُخْرِجُ مِنْ السَّائِمَةِ زَكَاتَهَا، وَمِنْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ مَا وَجَبَ فِيهِ لِئَلَّا تَسْقُطَ الزَّكَاةُ بِالْكُلِّيَّةِ. (وَمَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِتِجَارَةِ نِصْفِ حَوْلٍ) مَثَلًا (ثُمَّ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ اسْتَأْنَفَهُ) أَيْ: الْحَوْلَ (لِلسَّوْمِ) لِأَنَّ حَوْلَ التِّجَارَةِ انْقَطَعَ بِنِيَّةِ الِاقْتِنَاءِ، وَحَوْلَ السَّوْمِ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ. (وَإِنْ اشْتَرَى صَبَّاغٌ مَا يَصْبُغُ بِهِ) لِلتَّكَسُّبِ (وَيَبْقَى أَثَرُهُ كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ وَعُصْفُرٍ وَنَحْوَهُ) كَبَقَّمٍ وفوة وَلَكٍّ (فَهُوَ عَرْضُ تِجَارَةٍ يُقَوَّمُ عِنْدَ) تَمَامِ (حَوْلِهِ) لِاعْتِيَاضِهِ عَنْ الصِّبْغِ الْقَائِمِ بِنَحْوِ الثَّوْبِ، فَفِيهِ مَعْنَى التِّجَارَةِ. وَكَذَا مَا يَشْتَرِيهِ دَبَّاغٌ لِيَدْبَغَ بِهِ كَعَفْصٍ وَقَرْظٍ. وَمَا يُدْهَنُ بِهِ كَسَمْنٍ وَمِلْحٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ. وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، ذَكَرَهُ عَنْهُمَا فِي الْفُرُوعِ. و(لَا) زَكَاةَ فِي (مَا يَشْتَرِيهِ قَصَّارٌ مِنْ قَلْيٍ وَنُورَةٍ وَصَابُونٍ، وَنَحْوِهِ) كَنَطْرُونٍ لِأَنَّ أَثَرَهُ لَا يَبْقَى أَشْبَهَ الْحَطَبَ. (وَأَمَّا آنِيَةُ عَرْضِ التِّجَارَةِ) كَقَوَارِيرَ وَأَكْيَاسٍ وَأَجْرِبَةٍ (وَآلَةُ دَابَّتِهَا) أَيْ التِّجَارَةِ، كَسَرْجٍ وَلِجَامٍ، وَبَرْذَعَةٍ وَمِقْوَدٍ (فَإِنْ أُرِيدَ بَيْعُهُمَا) أَيْ: الْآنِيَةِ وَالْآلَةِ (مَعَهُمَا) أَيْ: الْعُرُوضِ وَالدَّابَّةِ (فَ) هَمَّا (مَالُ تِجَارَةٍ) يُقَوَّمَانِ مَعَ الْعَرْضِ وَالدَّابَّةِ (وَإِلَّا) يُرِدْ بَيْعَهُمَا (فَلَا) يُقَوَّمَانِ كَسَائِرِ عُرُوضِ الْقِنْيَةِ. (وَمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا) مَشْفُوعًا (لِتِجَارَةٍ بِأَلْفٍ فَصَارَ) عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ (بِأَلْفَيْنِ زَكَّاهُمَا) أَيْ: الْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا قِيمَتُهُ (وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ) بِالشُّفْعَةِ (بِأَلْفٍ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ (وَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِعَكْسِهَا) فَإِذَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفٍ، زَكَّى أَلْفًا وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ إنْ شَاءَ بِأَلْفَيْنِ، وَكَذَا الرَّدُّ بِعَيْبٍ. (وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ شَرِيكَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِصَاحِبِهِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ) أَيْ: الْإِذْنِ (ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (نَصِيبَ صَاحِبِهِ) مِنْ الْمُخْرَجِ (إنْ أَخْرَجَا) الزَّكَاةَ عَنْهُمَا (مَعًا) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، لِانْعِزَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِإِخْرَاجِ الْمُوَكِّلِ زَكَاتَهُ عَنْ نَفْسِهِ، لِسُقُوطِهَا عَنْهُ وَالْعَزْلُ حُكْمًا الْعِلْمُ، وَعَدَمُهُ فِيهِ سَوَاءٌ. فَيَقَعُ الْمَدْفُوعُ تَطَوُّعًا وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى نَحْوِ فَقِيرٍ، لِتَحَقُّقِ التَّفْوِيتِ بِفِعْلِ الْمُخْرِجِ (أَوْ جَهِلَ سَابِقٌ) مِنْهُمَا إخْرَاجًا أَوْ نَسِيَ، فَيَضْمَنُ كُلٌّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي إخْرَاجِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ وَقَعَ الْمَوْقِعَ بِخِلَافِ مُخْرِجٍ عَنْ غَيْرِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ سَابِقٌ (ضَمِنَ الثَّانِيَ) مَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْأَوَّلِ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الثَّانِي إخْرَاجَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ حُكْمًا كَمَا لَوْ مَاتَ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُوَكِّلٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ لِسَاعٍ وَقَوْلُ دَافِعٍ إلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا وَتُؤْخَذُ مِنْ سَاعٍ إنْ كَانَتْ بِيَدِهِ وَإِلَّا فَلَا. و(لَا) يَضْمَنُ وَكِيلٌ (إنْ أَدَّى دَيْنًا) عَنْ مُوَكِّلِهِ (بَعْدَ أَدَاءِ مُوَكِّلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ) أَوْ وَكِيلٌ بِأَدَاءِ مُوَكِّلِهِ لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقُ هُنَا التَّفْوِيتُ؛ لِأَنَّ لِلْمُوَكِّلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْقَابِضِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَابِضُ لِلزَّكَاةِ مِنْهُمَا السَّاعِيَ، وَالزَّكَاةُ بِيَدِهِ، فَلَا يَضْمَنُ الْمُخْرِجُ، وَيَرْجِعُ مُخْرَجٌ عَنْهُ عَلَى سَاعٍ مَا دَامَتْ بِيَدِهِ (وَلِمَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ الصَّدَقَةُ تَطَوُّعًا قَبْلَ إخْرَاجِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ كَالتَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ أَدَاءِ فَرْضِهَا، وَتَقَدَّمَ عَلَى نَذْرِهِ، فَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يَصِرْ زَكَاةً.
|